يُخطىء الرئيس الأميركي جو بايدن، بل إنه يرتكبُ حماقةً سياسية، ستدفع ثمنها الولايات المتحدة بكلِّ تأكيد، إنْ هو إعتقد أنّ الذين يسيطرون على إيران "المُعمّمون" وغير المعمّمين سيستجيبون لندائه وسيتخلّون عن تدخّلهم "الإحتلالي" في المنطقة العربية وبخاصة اليمن، الذي يعني أنّ سيطرتهم على ما يسيطرون عليه منه الإمساك بـ "خناق" البحر الأحمر للتحكّم بباب المندب والوصول إلى مضيق هرمز، وحقيقةً والسيطرة على منطقة الخليج العربي لإمتلاكها منظومةٍ عسكريةٍ بحريةٍ وبريةٍ تجعلها، في ظلِّ عدم وجود ردعٍ فعليٍّ، قادرةً على التحكّم بهذا الممرِّ المائي الدولي الذي هو في غاية الأهمية.

ولعلَّ ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أنّ إيران حتى في عهد الشاه محمد رضا بهلوي وأيضاً في عهد والده كانت تخطّط لكلِّ هذا التمدّد "الإحتلالي" إنْ في الدول العربية التي باتت تتمدّد فيها إنْ عسكرياًّ وإنْ أمنياًّ وإنْ مذهبياً وإقتصادياً وكل شيء وإنْ في مياه الخليج العربي، وهنا فإنني أذكر أنّ: "أبو عمار" في نهايات زيارته لطهران، التي بالإمكان وصفها بأنها تاريخية، لأنها جاءت بعد نحو أسبوعين من الثورة الخمينية، قد فاتح روح الله الخميني بإنسحاب إيران من الجزر الإماراتية الثلاث: "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى" التي كان الإيرانيون قد احتلوها في عهد النظام السابق، وكان ردّه: "إنّ هذه الجزر إيرانية.. وهي ستبقى إيرانية".. وحقيقةً أنّ هذا كنت قد ذكرته وتحدثت عنه أكثر من مرة!!.

مما يعني أنّ الوجود الإيراني في اليمن وجودٌ "إستراتيجيٌ" وأنّ "الحوثيّين" قبل فتح أبواب هذا البلد العربي التاريخي لدولة الوليِّ الفقيه قد دخلوا البوابة الإيرانية من خلال ضاحية بيروت الجنوبية التي كان قد حوّلها حسن نصر الله مبكراً إلى "قاعدة" عسكرية وأمنية وسياسية للإيرانيين، وهكذا فإنّ الإستجابة لدعوة أو طلب الرئيس الأميركي جو بايدن للإيرانيين بالإنسحاب من اليمن غير ممكنةٍ وحتى وإنْ قدّم لهم الأميركيّون تنازلات مجزية في باب المندب ومضيق هرمز.

وهنا فإنّ ما يجب أنْ يأخذه الرئيس الأميركي في إعتباره هو أنّ إيران، التي باتت تتمدّد في أربع دول عربية رئيسية هي العراق وسوريا ولبنان.. وأيضاً واليمن، لا يمكن أنْ تستجيب لدعوته الآنفة الذكر هذه ما لمْ إما أنّ يلوّح إليها بإغراءات فعلية كثيرة أو أنْ يوجّه لها ضربةً عسكرية قاصمة للظهر وفعلية.. والواضح أنّ كلا هذين الخيارين غير واردين في هذه المرحلة الحاسمة والخطيرة وبخاصة وأنّ موازين القوى الدولية قد لا تسمح للرئيس الأميركي بأنْ يلجأ إلى القوة العسكرية التي من الواضح أنّ اللجوء إليها بالنسبة للأميركيّين غير وارد على الإطلاق!!.

وهكذا فإنّ الواضح أنّ الرئيس الأميركي سيجد أنّ خياره الوحيد في النهاية هو "التفاهم" مع إيران على ما يمكن التفاهم عليه ومع الأخذ بعين الإعتبار إنّ "الولي الفقيه" ومعه "جنرالات" حراس الثورة لا يمكن أنْ يتخلّى عما حقّقه الإيرانيون من هيمنةٍ يمكن وصفها بأنها "إحتلالية" في هذه الدول العربية الرئيسية والمشكلة هنا هي أنّ هذه الهيمنة تتكىء على جدارٍ مذهبيٍ وطائفيٍ وأنّ الذين قد حقّقوا هذا الذي حقّقوه يعتبرون أنهم قد أمسكوا بلحظةٍ تاريخيةٍ بقي أسلافهم إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً ينتظرونها لعقودٍ وقرونٍ طويلة!