عندما يرتقي الإنسان بنظرته للأخرين، سوف يسهل عليه استمراء الخلافات الطبيعية وتجاوزها حتى كأنها لم تكن. كالنطرة الايمانية للناس بالله سبحانه وتعالى، فمن يعتقد أن الطريق الوحيد إلى الله عبر ما يعتقد به هو فقط وبالطريقة التي يسير فيها هو من عبادات وإقامة شعائر وطقوس، سوف ينظر للأخرين بنظرة دونية يصعب معها التعامل مع الآخر المختلف. على العكس من ذلك تماما حينما يعطي الآخرين الحق في انتمائهم الديني ويحترم ما يقومون به من عبادات، فإنه سيسهل عليه التقرب منهم والتعامل معهم والعيش معهم في سلام ووئام.
يقول جان جاك روسو " من المحال أن نعيش بسلام مع أولائك الذين نعتبرهم ملعونين ونعتبر حبنا لهم كرها لإله الذي يعاقبهم " . عندما تكون الأخوة بين الناس هي سيدة الموقف كما عبر عنها الامام علي في كلمته الشهيرة "إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" فسيعم السلام بين الناس على مهما اختلفت مشاربهم الدينية.
نموذجان من ديانتين مختلفتين، يلتقيان في الأخوة الإنسانية، البابا فرانسيس، والسيد علي السيستاني. الزعيمان الدينيان ينظران للآخرين المختلفين في عبادتهم بأن ذلك أمر بينهم وبين الله سبحانه وتعالى.
في شهر أبريل من العام 2018، داخل الفاتيكان، بين البابا فرنسيس والطفل إيمانويل الذي جاءه باكيا خائفا على والده الذي توفي حديثاً من أن يذهب إلى جهنم لأنه لم يكن مؤمنا، مع أنه عمّد أبناءه الأربعة في الكنيسة، رد عليه البابا بهدوء وطمأنينة: "يسهل أن نعمّد أبناءنا عندما نكون مؤمنين، لكن ليس سهلاً أن نفعلها حين لا نكون مؤمنين.. ولأنه فعلها، فقد كان قلبه بين يدي الله، وهو وحده يعرف يا إيمانويل إيمان أبيك، ووحده الذي يقرر من يذهب إلى الجنة... إن الله لديه رحمة بأبيك أكثر منك أنت يا إيمانويل ... فأنت لك قلب الابن، ولله قلب الأب.. وقلب الأب يعطف أكثر من قلب الابن".
في يوم (21 / شعبان / 1435هـ ) الموافق (20 / حزيران / 2014 م) في ظروف طائفية في العراق يدعو المرجع الديني السيد السيستاني، كل العراقيين التابعين للطائفة الشيعية بأن ينادوا إخوانهم من أهل السنة في العراق ب"أنفسنا" لا "إخواننا" رغم الخلافات الطائفية التي عصفت بهم في تلك الفترة التي كانت الدواعش متواجدة على ساحة الصراعات الطائفية.
الزعيمان السيستاني والبابا فرنسيس ارتقيا بنظرتهما للأخرين من خلال إيمانهما وعقيدتهما الخاصة بهما، لذلك كان من السهل عليهما أن يلتقيا بكل محبة وإخاء.
التعليقات