شهد الأسبوع الماضي رحلات دبلوماسية مكوكية إلى الرياض من أكثر من عاصمة عربية وإقليمية: كوالالمبور، الخرطوم، عمَّان، المنامة، موسكو، الأمر الذي يعكس الزخم الذي أصبحت تشغله الرياض في أكثر من إقليم على المستوى العربي، والإسلامي والدولي. واليوم تتبوأ الرياض مكانتها هذه باستحقاق مهم يتصل بالأعباء التي أصبحت تضطلع بها ضمن مسؤولياتها الخليجية والعربية والإقليمية.
ففي الزيارة المشهودة إلى التي زار خلالها الأسبوع الماضي فخامة رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله حمدوك على رأس وفد وزاري كبير واستمرت الزيارة ليومين كاملين، يمكن للمراقب أن يقرأ أكثر من رسالة في عنوان تلك الزيارة التاريخية. فالمصالح السودانية السعودية في ظل تحديات عالم ما بعد كورونا تشير إلى اتجاهات استراتيجية لكل من الخرطوم والرياض، حيث أن ملفات كالأمن الغذائي وأمن البحر الأحمر والاستثمار تأتي في قائمة الأولويات التي ستتم مناقشتها في تلك الزيارة.
أما فيما يخص زيارة ملك الأردن الملك عبد الله بن الحسين، فإن ملفات القضية الفلسطينية والجوار والتحالف الاستراتيجي بين البلدين يـأتي على رأس ملفات تلك الزيارة، خصوصاً وأن الدعم السعودي لعمان له أكثر من وجه ومن مجال. فيما تأتي زيارة رئيس الوزراء الماليزي بخصوص أوجه التعاون والاستثمار لاسيما في السوق الماليزي وكذلك أوجه التعاون الاقتصادي الكبير مع هذه الدولة الرائدة في أكثر من مجال كمجال الصناعة والتكنولوجيا، وبهذا التوجه إلى ماليزيا تعمل السعودية على تنويع مجالات الاستثمار التي ستفتح أمامها آفاقاً واسعة للتعاون مع هذا البلد الإسلامي الكبير.
أما فيما يخص البحرين فإن الارتباط الحميم بين البلدين الخليجيين يمثل أكثر من التعبيرات حيال العرى الوثيقة والدعم الاستراتيجي الذي تقدمه المملكة العربية السعودية لمملكة البحرين.
وفيما كانت زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف الأسبوع الماضي تتضمن عناوين كثيرة لدلالات سياسية ودبلوماسية بين روسيا والمملكة العربية السعودية، إلا أن الزيارة اهتمت بملفات تستحق التفاهم بين البلدين في الكثير من قضايا الشرق الأوسط مثل سوريا وإيران واليمن وليبيا وغيرها، لأن وجود الروس في العديد من تلك الملفات المتصلة بقضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية يعتبر جزءاً سياسات الأمر الواقع التي فرضها الروس منذ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في ردود فعلها السلبية مع تداعيات ما سمي بالربيع العربي، في أكثر من دولة عربية.
لقد كانت تجربة ما سمي بالربيع العربي في هذه المنطقة جزءاً من الفوضى التي ضربتها لاسيما في كل من ليبيا وسوريا واليمن، وهي فوضى سبقتها الأحداث التي كانت قبل الربيع العربي مثل احتلال العراق في العام 2003 وغيرها.
اليوم تهتم المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة الأكثر قدرة على صناعة الاستقرار في المنطقة العربية بملف الاستقرار العربي من خلال مكانتها السياسية والاقتصادية والرمزية ، بعد أن خرجت دول عربية مركزية من مشاريع صناعة الاستقرار في المنطقة، لاسيما وأن المملكة تواجه مشروعاً تخريبياً كبيراً لزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية على يد إيران. وإن الدعم الذي تبذله المملكة العربية السعودية لإعادة الهدوء والاستقرار للمنطقة يؤهلها لأن تكون الرياض عاصمة قرار إقليمي بامتياز.
هكذا سنرى بوضوح في الأسابيع والأشهر القادمة آثار الزيارات الدبلوماسية المتعددة التي شهدتها الرياض في الأسبوع الماضي، وهو أمر يعكس لنا تماماً الأهمية المركزية التي أصبحت تتبوأها المملكة العربية السعودية إقليميا واقتصادياً وعربياً، فيما هي اليوم باعتبارها إحدى دول مجموعة العشرين تؤكد للجميع أن طبيعة الملفات التي تضطلع بها تؤهلها أيضاً لأن تكون أكثر حضوراً إقليمياً وعالمياً.
- آخر تحديث :












التعليقات