في هذه الصفحات نفحات من سير شخصيات كانت منارات مضيئة، وسطعت نجومًا في سماء البلاد والعالم. شخصية اليوم: شقيقة الملك عبد العزيز، الأميرة نورة بنت عبدالرحمن... خير معين ومشير للملك، اعتز بها فجعلها نخوته في الحروب والملمّات.

.. وأنا أخو نورة


الأخت وما أدراك ما الأخت.. وجه البشرى، والفرحة الكبرى، والأم الأخرى

قال عنها السياب:

أختي التي عِرضُها عرضي وعفّتُها

تاجٌ أتيهُ به بين الأخِلاّءِ

حنانُها كحنانِ الأمّ دثّرني

فأذهب الداء عن قلبي وأعضائي

عرفتُها فعرفتُ الله عن كَثَبٍ

كأنّ في مُقلتيها دربَ إسرائي

وكأن السياب تلبس شعور الملك المؤسس حين كتب عن الأخت، ولا عجب؛ فما عرف التاريخ ملكاً من ملوك العرب انتخى بأخته كالملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.

ولدت شقيقة الملك عبدالعزيز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في مدينة الرياض عام 1292هـ- 1875م، وهي بذلك تكبر شقيقها بعام واحد،

وتعلمت القراءة والكتابة، وبعد استرداد الرياض تزوجت عام 1322هـ- 1904م من الأمير سعود بن عبدالعزيز بن سعود بن فيصل بن تركي الملقب بـ سعود الكبير، وأنجبت منه الأمير محمد بن سعود الكبير الملقب بـ شقران، كما أنجبت الأميرة حصة، والأميرة الجوهرة التي تزوج بها الملك فيصل.

هي الأثيرة المقربة من أخيها، وليس سواها قَوَّى عزيمته، وشحذ همته، وكانت له على الدوام خير معين ومشير في معظم منجزاته العظمى، وقراراته الحاسمة.

كانت نورة امرأةً قويةً حكيمة ذات شخصية بطولية، ومن أكثر الأسباب التي أعانت الملك عبدالعزيز على العودة لاستعادة الرياض دعمها له، ووقوفها إلى جواره، وقد كان لتقاربهما في السن بالغ الأثر في التقارب الناجم بينهما، وطالما استطاعت التأثير عليه تأثيراً إيجابيّا، بعد أن عرفت إمكاناته وتطلعاته.

وتحكي الأميرة مشاعل بنت الملك فيصل بن عبدالعزيز عن جدتها نورة نقلاً عن أمها الجوهرة بنت سعود أن الملك عبد العزيز دخل يوماً على أخته وهي تأكل تمراً، فناولته حبة تمر، وقالت: متى نستعيد تمور الأحساء، فنفض الملك عبدالعزيز يده، وكأن هذه العبارة زادت من حماسته وعزمه على المضي في طريق المجد وتوحيد مملكته.

ومن شدة اعتزازه بها وإجلاله لها جعلها نخوته التي ينتخي بها في الحروب والملمّات «وأنا أخو نورة»، وصارت هذا الجملة لقباً لعَقِبِه من بعده: «إخوان نورة»، ويا له من لقب يؤكد وفاء الملك عبدالعزيز لشقيقته الكبرى، ويؤكد أيضاً أثر المرأة في ترسيخ دعائم هذا الوطن.

لقد حاولت والدة الملك عبدالعزيز بوازع من أمومتها أن تثنيه عن قراره باستعادة الرياض خوفاً عليه مما هو مقبلٌ عليه، أما أخته نورة فكانت تقوي عزيمته، وتشحذ همته؛ مما جعل لذلك بالغ الأثر في نفس الملك المؤسس طيب الله ثراه.

وبعد أن استعاد الملك عبدالعزيز الرياض، وأرسى قواعد الملك، واستتب الأمر له في المملكة العربية السعودية، أسهمت الأميرة نورة إسهاماً فاعلاً في ترتيب أمور القصر الملكي، وتدبير شؤونه، وكان الملك عبدالعزيز يستشيرها في شؤون الحكم، ويأخذ برأيها، إيماناً منه بدهائها، وبُعد نظرها،

وكأن لسان حاله كلما انتخى بأخته، أو عمر برأيها:

أختي يَميني التي ما إن ضَرَبْتُ بها

إلا تلاشتْ صِعابي وانجَلَى رَهَبي

ولم تكنْ غيرَ أمي في مودَّتِها

ولم تكن هيَ تدعوني بغيرِ: أبي

توفيت الأميرة نورة عن عمر يناهز السابعة والسبعين في شوال من عام 1369هـ الموافق 1950م بعد إصابتها بمرض عضال، ودفنت في مقبرة العود رحمها الله رحمة واسعة، وأسكنها فسيح جناته.

رحلت وتركت أعظم صيت مضروب به المثل، وسيبقى اسمها رمزاً على فخر العربي بأخته، ودليلاً على حنكة المرأة ودورها الظاهر والخفي في المواقف الحاسمة.

قفلة:
«ولو أن النساءَ كمَنْ فَقَدْنا

لَفُضِّلَتِ النساءُ على الرجالِ»