"1 ـ 2"
عندما کنت أکتب في الشأن الکردي في بداية العقد الاول من الالفية الثالثة بعد الميلاد، حيث کنت أعول کثيرا على قيادة مسعود البرزاني أولا وعلى قيادة المرحوم جلال الطالباني ثانيا، فإنني کنت مفعما بالتفاٶل ويحدوني أمل کبير في أن يستفاد کل من القائدين الکرديين من الدروس التأريخية ويتعظون منها، ولاسيما وإن الجهاز الاعلامي للحزبين اللذين يقودهما کلا القائدين قد صورا مسعود وجلال وکأنهما أسطورتين بمقدورهما أن يتخطيا ويتجاوزا کل العقبات والمنغصات وينطلقا بالشعب الکردي الى حيث يمکنه أن يشعر بالامن والامان وينعم بالرفاهية، خصوصا وإن وجوه إعلامية وحملة أقلام بارزين من غير الکرد قد أشادوا بتجربة الاقليم الکردي وبقيادة مسعود وجلال لها، ولکن، وکنت کأي کردي آخر أتطلع لأن يکون الامر کما تم تصويره وتمت الاشادة به، لکن وکما علمنا التأريخ على الاغلب فإن حساب البيدر لايتطابق في معظم الاحوال مع حساب الحقل.
لاأريد أن أقوم بسرد خشبي للأحداث والتطورات التي جرت في إقليم کردستان ـ العراق وأن أدخل في مجال تم تناوله کثيرا وبإسهاب والاهم من ذلك إن صاحب الشأن أي الشعب الکردي في إقطاعيتي أربيل والسليمانية اللتين تشکلان إقليم کردستان ـ العراق، يعلم بکل ماقد جرى بذلك الصدد وکيف جرى إغتيال حلم أمة بأکملها في متاهاة صراع حزبين"قبليين"بکل مافي الکلمة من معنى من أجل منافع ومصالح ذاتية ليست ضيقة فقط بل وحتى أضيق من سم الخياط، ولاسيما بعد أن أفل نجم جلال وظهر نجم بافل ولاهور وتراجع شعاع شمس مسعود لتبزغ شمسا نيجيرفان ومسرور، وکأننا نعيش عصور آفلة کان منطق"مات الملك عاش الملك"يتحکم فيها، والذي يثير ليس السخرية والاستهزاء فقط بل وحتى أبعد من ذلك إن ذلك کان يجري في وقت کان العالم يتابع المزاعم الرنانة الطنانة لکلا الاقطاعيتين بشأن الحرص على التأسيس لمجتمع مدني وعلى ليس إحترام مبادئ حقوق الانسان وإنما حتى تجسيده في الواقع الکردي!!
نبهت هنا في موقع إيلاف ومنذ ولادة الاقليم الکردي الى الخطر والتهديد المتمثل بالدولة الاتاترکية التي تطل علينا برداء العثمانيين وبنظام الملالي في إيران ونبه وحذر من ذلك آخرون أيضا من غير الکرد، وحذرت من التعامل معهما وضرورة أن يحرص الاقليم على تقوية علاقاته وترسيخها مع دول يمکن أن تکون للإقليم عونا وسندا في مواجهة هذين النظامين اللذين أثبتت الايام والاحداث والتطورات بأنهما عدوانيين وشريرين الى أبعد حد بحيث إنهما لايأبها لمصلحة شعبيهما، لکن الذي جرى وبدلا من أن يقوم الاقليم الکردي بالتأسيس لعلاقات مع دول يمکن أن يخدم ذلك مصلحة الاقليم والشعب الکردي فإن إقطاعية البرزاني قد أرست لعلاقة قوية جدا مع الاتاتورکيين والعثمانيين الجدد فيما قامت إقطاعية الطالباني بالتأسيس لعلاقات نوعية بالغة القوة مع نظام الملالي بحيث صار قادة فيلق القدس يسرحون ويمرحون کما يشاٶون في هذه الاقطاعية، ووجه السخرية والتهکم هنا، إن کلا الاقطاعيتين تهمزان وتلمزان بعضهما بالعلاقة السلبية والتبعية لطهران وأنقرة من دون أن ينتبها بأن کلاهما يرتکبان نفس الفعل والاجراء الخاطئ بل إنهما يعتبران بمثابة أفضل مصداق للبيت الشعري المشهور:
لاتنه عن خلق وتأت مثل عار عليك إذا فعلت عظيم
والانکى من ذلك إن کلتا الاقطاعيتان قد فتحتا النار"وعلى إستحياء" من التبعية لهذين النظامين اللذين صار واضحا بأن شعبيهما يکرهانهما وصارا يداعبان المشاعر القومية"المتضعضعة" لسکان الاقطاعيتين، ويعلق کلاهما أسباب فشله وإخفاقه وخيبته على شماعة الآخر، بل وحتى إنهما يجعلان من تلکما الشماعتين بمثابة جهتين حاميتين يجب القتال فيهما ولکن من دون أي سلاح أو عتاد بل بإعصار وطوفان الحملات الاعلامية الموجهة والتي أثبتت الاحداث والتطورات بأنها مجرد زوبعة في فنجان وللحديث صلة.