أربعة حروب في 13 عاما دليل على فرضية المقالة التي تستند على أن خيار الحرب خيار دائم، ويشكل خيار الأساس سواء لإسرائيل او المقاومة وهنا إشكالية هذا الخيار.

يتفرد هذا النموذج بنموذج الحرب الداخلية والذى يشبه الشوكة المنغرسة في الجسم ويصعب إقتلاعها، لأن إقتلاعها يعرض الجسم كله للخطر . فغزة من منظور جغرافى جزء من فلسطين التاريخية وتقع في قلبها فهى ليست بالمنطقة النائية الهامشية، ومن هذا المنظور تكمن خطورة خيار الحرب.

إسرائيل لن تتردد في شن حرب على غزة وأى دولة أخرى عربية أو إقليمية كإيران وتعمل على تغيير موازين القوى التي تحرص إسرائيل على إستمرارها لصالحها. بل أن مبدأ القوة والتفوق لصالحها يعتبر أحد أهم ركائز بقاء وأمن إسرائيل. وهذا حال دول القوة وإسرائيل تعتبر نموذجا صارخا للقوة لأنها قامت على مبدأ القوة وبقائها وضمان تفوقها يستند على إمتلاك القوة تطبيقا لمبدأ ثيوسيديدس في قانون القوة وحتمية الحرب.

حتى مبدأ السلام يقوم على القوة. فالسلوك السياسى لإسرائيل محكوم بالقوة العسكرية المتفوقة، وهذا ما نلحظه في حرص الولايات المتحدة على ضمان مبدأ التفوق بتزويد إسرائيل بأحدث ترسانات الأسلحة من ناحية ومن ناحية أخرى التعويض السريع لأى حرب. وهذا الإحساس بالتفوق يمنحها القدرة على الإستخدام المفرط للقوة العسكرية.

والعامل الثانى الذى يحكم سلوك إسرائيل ويبرر إستخدامها للقوة العسكرية أنها فوق العقاب الدولى بسبب الفيتو الأميركي، فهى الدولة الوحيدة منذ نشأتها لم يطبق عليها الفصل السادس والسابع لميثاق الأمم المتحدة.

العامل الثالث العلاقات التحالفية الثابتة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإلتزام أميركا أمن وبقاء إسرائيل وتدخلها عسكريا في حال تعرض إسرائيل لتهديد وجودى والأمثلة كثيرة: حرب أكتوبر وحروبها الصغيرة مع إيران. وكما رأينا هذا الإلتزام في تصريحات وزير الدفاع الأميركى في زيارتة الأخيرة لإسرائيل والإلتزام بأمن إسرائيل وتصريحات الرئيس بايدن نفسه ووزير خارجيته.

العامل الرابع الذى يحكم سلوك إسرائيل جلب يهود العالم وتشجيعهم على القدوم لإسرائيل وهذا العامل يحتاج لتوفير الأمن وعدم الخوف. وفى سياق هذا العامل تكمن خطورة صواريخ غزة وحماس على إسرائيل والتي تبعث الخوف وعدم الأمن فتعمل على عكس تحقيق هذا الهدف وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لبقائها وأمنها، لأنه في النهاية يلعب العامل السكانى والتوازن مع العنصر السكانى الفلسطيني العامل الحاسم في البقاء.

فى هذا السياق تأتى خطورة صواريخ غزة المحدودة والتي لا يمكن أن تقارن بما تملكه إسرائيل فقدرة هذه الصواريخ ليس في قدرتها التدميرية المحدوده، وإنما تحقيقها خلق وتوازن الرعب، ويدفع للهجرة العكسية، ولا يشجع على تدفق يهود العالم للقدوم لإسرائيل. ورأينا ذلك في الحرب الأخيرة.

السؤال دائما: لماذا غزة؟ غزة كمنوذج تحكمه اليوم قوى المقاومه تحول لثكنة عسكرية لا يخرج عن القاعدة العامة التي تحكم سلوك إسرائيل مع أي نموذج قوة صاعد في المنطقة كلها كإيران وحزب الله، بل أن نموذج غزة قد يشكل خطورة أكبر لأنها تقع في قلب دائرة الأمن ألأولى لإسرائيل، فغزة جزء من فلسطين التاريخية التي تسيطر عليها إسرائيل بالكامل فهنا الخطر ياتى من الداخل وليس الخارج.

وقدرة صواريخ المقاومة على محدوديتها الوصول لكل المدن والمناطق السكانية في إسرائيل والوصول لأهداف إسرائيلية توقع خسائر بشرية ومادية مباشره. وهو ما يعنى سقوط أحد ركائز الأمن الإسرائيلي في البقاء والقوة الذاتيه. وقدرتها في تحييد قوة إسرائيل وسلبها القدرة على الردع. وبالتالى اى تغيير في معادلة القوة ستلجأ إسرائيل إلى خيار الحرب بكل أشكالها الشاملة والمحدودة وضرب البنية التحتية ألإقتصادية والأمنية والعسكرية بقدر المستطاع، وهذا ما قد يفسر لنا القوة التدميرية التي ألحقتها إسرائيل بغزة هدفها تقويض قوة المقاومة وحاجتها لسنوات طويلة للتعويض.

أعود ثانية لخصوصية نموذج غزة وأهداف إسرائيل وخياراتها وألياتها. اليوم غزة كما أشرنا تمثل قوة المقاومة العسكرية التى تسيطر عليها حماس والتي ينظر إليها ألآن أيضا كفاعل سياسى فلسطيني منافس لفتح، وهى منطقة ملاصقة لما يعرف لمنطقة غلاف غزة بل هي إمتداد لها.

المنطقتان تمثلان كثافة سكانية، ومن ثم اى سلاح في غزة ينظر إلية على أنه تهديد داخلى يمس بقاء إسرائيل. إسرائيل عندما إنسحبت من غزة كانت تريد أن تصل لمرحلة ألإنقسام والإنفصال السياسيى، فغزة لها البديل للدولة الفلسطينية التي أساسها وقلبها في الضفة، فهى تدرك أهداف حماس ورغبتها في الحفاظ على كينوتنها السياسية وهنا نقطة الضعف والورقة التي تمارسها إسرائيل، إسرائيل تريد حماس ضعيفة لها وقوية بالنسبة للفصائل الأخرى، وان تكون لديها وظيفة أمنية ضابطة للحدود ولا يمنع في المستقبل أن تكون البديل التفاوضى لفتح.

هذا أحد أسباب إنسحابها لغزة إضافة لكثافتها السكانية وصغر حجمها وفقدانها الخصائص الجيوسياسية والقدرة على التحكم في منافذها، وخياراتها تتراوح بين الحرب الشاملة والمحدودة والحصار والتحكم في منافذها البرية والبحرية، والتحكم في عملية التنقل البشرى.

وهناك خيار الإقناع السياسي بالتهديد العسكري أي بتغيير المواقف السياسية. وأخيرا هدف بعيد المدى إسقاط النظام كله وإستبداله بالسلطه. ويبقى ورقة ضغط.

يبقى ألا نعطى إسرائيل ذرائع الحرب وأن تقرر وقتما تريد وفى المكان الذى تريد. والسؤال الدائم: كيف نحول نتائج الحرب لأهداف سياسية على مستوى القضية والإقتراب من الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال؟