الى ما قبل اسبوع لم يكن أحدا في تونس أو خارجها يظن ان يفعل رئيس تونس قيس سعيد ما قد فعله بحركة النهضة وعزلها عن ممارسة دورها المخرب داخل قبة البرلمان حيث عرش راشد الغنوشي وصولجانه منذ ازيد من عشرة سنوات.
كانت اغلب انطباعات المتابعين للشأن التونسي عن الرئيس قيس سعيد ان الرجل بلا خبرة سياسية وكل عدته الخطابة بصوت عال وان منصب الرئيس ذو صلاحية شكلية وان مركز السلطة هو داخل البرلمان المنتخب الذي يتزعمه اخواني عتيق ومتمرس في صناعة الافلام السياسية والدعائية.
عندما سألت قبل شهور شخصية تونسية قريبة من الرئيس سعيد عن تقييمه لأداء الرئيس ومسار الأحداث قال لي انه أكاديمي تورط في السياسة!!
من يتابع عدد من الواجهات السياسية لحركة الاخوان المسلمين فيما بات يسمى بدول الربيع العربي يجد انهم يركزون على صياغة النصوص الدستورية بطريقة مليئة بالغام التفسيرات بحيث يلقون في هذه النصوص الدستورية ضالتهم في التفسير والتحوير والتدوير فانت تقف امام عدة تفاسير للنص الدستوري الواحد وبما انهم امتلكوا خبرة في تطويع صناديق الاقتراع لمصالحهم سواء كان ذلك بالتزوير او استثمار العواطف الدينية وارتدائهم عباية التدين الى ما غير ذلك من الوسائل.
ولكن الزمن قد تغير واهتزت الأرض بهم وشعب تونس وعى أبعاد هذه الملهاة الاخوانية والتي لم تثمر لهم سوى سلة من الفقر والبطالة وانهيار النظم الصحية ونهب المال العام والارتهان للخارج استنادا الى فكر سياسي عفا عنه الزمن.
لقد اختار الرئيس سعيد توقيتا مناسبا لتحقيق الصدمة والتوهان لحركة النهضة مما جعل زعيمها الغنوشي يقف امام بوابة مجلس النواب التونسي الذي كان قبل يوم سيده المطلق يقف امام بوابته مشدوها وشارد الذهن وهو يستمع الى نداء حارس عسكري يخاطبه الباب اغلقت وعد الى حيث كنت.
حقيقة ان مرحلة الحكم الاخواني لتونس قد أزفت ولم يعد لهم تلك القاعدة الشعبية المخدوعة بشعاراتهم التي نسجت لهم عبر عقد من الزمن الخداع والوهم والاباطيل.. وان الشعب التونسي بكل قواه الحية وتنظيماته السياسية ومنظمات المجتمع المدني يلتف اليوم حول قرارات الرئيس سعيد لأنها هي قارب النجاة الوحيد للخلاص من دياجير هذه الفترة المظلمة من تاريخ تونس المجيد هذا البلد العربي الذي يحظى بحب وتقدير كل العرب وان على الدول العربية والعالم ان يساند ويدعم خارطة الطريق التي رسمها قيس سعيد لخروج تونس من محنتها فالرجل اثبت انه سياسي واعي وقرر ان أفضل اسلوب للخلاص من شباك الغنوشي ونهضته هو تحقيق الانتصار عليه بالنقاط وليس بأسلوب الضربة القاضية.
أن ما يلمسه المتابع للشأن التونسي من ردود افعال الغنوشي على التطورات السياسية يقتنع بانه يشعر بالخيبة وتضاؤل آماله في هبة شعبية تمد له طوق النجاة الا ان الرجل تيقن بعد ان أدرك ان الجماهير التي دعاها للنزول للشارع وفتح اقفال البرلمان لم تعد تلك الجماهير السابقة فلم يرى على بوابة البرلمان سوى قوارير الماء الفارغة تنهال عليه لينسحب من مكانه ويغادر الى مقره ليهدد اوروبا بسيول اللاجئين وقوارب الموت ليكرر نفس اسلوب معلمه اردوغان الفاشل..
نحن نقف امام رئيس مخلص لتونس ونزيه وفقيه دستوري يدير معركته مع الأخوان وحركة النهضة بهدوء وثقة واتزان وليس ذلك غريبا على الرجل الذي صرح يوم انتخابه سأذهب الى قصر قرطاج بسيارتي القديمة هذه وسأخرج منه بها ايضا.
ولكنه اليوم سيكتب لتونس تاريخا مختلفا يعيد بلده الى جادة العمل والنمو واقصاء ومحاسبة الفاسدين وإدخال القتلة الى السجون ومثلما يقول المراقبون انه ان نجح سيصوغ معالم الجمهورية التونسية الثالثة.