من الأقاويل الدارجة في لبنان اليوم، على تويتر وفي الأزقة السياسية، إن "ربما يُنزل الله عليكم عقابه شديدًا على شكل صهر". هذا وغيره من زبدة القول في مديح النائب جبران باسيل، الذي وصفه حاكم مصرف لبنان بأنه "حاكم لبنان"، لا يخفي بعض الحقائق التي يفيد تبيانها في جلاء الصورة الفسيفساء اللبنانية، المغرقة أخيرًا في سوريالتيها.
من كانوا يشتمون ثوار "17 تشرين" حين كانوا يقفلون الطرقات، ويقولون أمام عدسات التلفزة اللبنانية إنهم يتعرضون للذل في طريقهم إلى أعمالهم، هم أنفسهم يقفون أيامًا بلا نوم في "طوابير الذل" أمام محطات الوقود. أصار الوقوف اليوم مقبولًا، بينما حين كان شبان يضحون بأنفسهم أمام القوى الأمنية اللبنانية وبطشها في سبيل لقمة عيش عزّت في لبنان، كان الاشتراك في الاعتراض مرفوضًا؟ فأللهم.. شماتة.
في أوائل أيام فورة "17 تشرين"، شارك الشيعة بكثافة، وملأوا الطرقات، بل أقفلوها بكل ما أوتوا من قوة، وكالوا الشتائم بإبداع قل نظيره لكل المنظومة الحاكمة في لبنان، حتى لنبيه بري، أحد الطرفين الشيعيين الممسكين بمقدرات البلاد، إلى أن خرج حسن نصرالله، شيخ حزب الله، وأخرجهم من الشوارع بحجتين واهيتين: الحراك المطلبي ممول من السفارات، ونحن "شعب المقاومة لن نجوع" مطلقًا ما سمي حينها "الجهاد الزراعي" ليصرف شيعته إلى زراعة شرفاتهم كي يعيشوا، ولينتقل شيعة "أمل" و"حزب الله" إلى خندق مواجه لخندق الثورة. ومن ينسى غزوات طلائع "الخندق الغميق" ببيروت لحرق خيام الثورة؟ اليوم، شيعة "أمل" و"حزب الله" أنفسهم يحرقون الإطارات في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت احتجاجًا على طوابير البنزين والخبز والغاز المنزلي، احتجاجًا على ما هم في من "ذلة"، مثلهم مثل أي لبنان في أي بقعة من لبنان. فأللهم.. شماتة.
حين كان "المطلبيون" على انتماءاتهم المختلفة يقفلون طريق الجنوب، كان نصر الله يهدد ويتوعد، متهمًا "السفارات" والإمبريالية الأميركية بإقفال طريق "المقاومة". اليوم، تقفل طريق الجنوب ساعات وساعات، وفي أكثر من مكان، بسبب ازدحام سيارات، تعود ملكية أغلبيتها إلى مواطنين يدينون بالولاء لنصرالله نفسه، أمام محطات وقود يناصر أصحابها نصرالله نفسه. فأللهم.. شماتة.
هذا نصرالله هو من قال إن "الفاسد كالعميل، لا دين ولا طائفة له". فهل يعلم هذا الكهل المتواري عن الأنظار منذ أكثر من عقد من الزمان، والـ "متمرجل" على الكون من وراء شاشة ينصبها حزبه في "ملعب الراية" بالضاحية الجنوبية، أن ملايين من ليترات البنزين وُجدت مخزنة في محطات يملكها أنصاره ومحازبوه وقادة في حزبه؟ وهل يشاهد الاشتباكات اليومية "في بيئة المقاومة" بالجنوب اللبناني على المحطات؟ إن كان يعلم ويشاهد، فهذه مصيبة.. وإن لم يكن يعلم ولا يشاهد، فأللهم.. شماتة.
لا يختلف نصرالله عن غيره من أمراء الحرب في لبنان، خصوصًا أولئك الذين وقفوا في وجه حراك "17 تشرين" منذ يومه الأول. فهؤلاء يريدون إذلال اللبنانيين الذين صاحوا "كلن يعني كلن"، والذين صدحوا بأنشودة "هيلا هيلا هيلا هيلا هووو" وختموها بشتم النائب باسيل، والذين تجرأوا على الخروج على طاعة "الأمير".. فلا سبيل إلى إعادتهم إلا بتدجينهم ثانية. السبيل إلى ذلك: "جوعوهم لتطوعوهم"! فالشيعي يجاور السني والدرزي والمسيحي على محطات الوقود. وكلهم في هذا الذل سواسية. ألم تكن هذه سياسة النظام السوري من الثمانينيات، والتي أنتجت جيلًا سوريًا لا خلية حية فيه، في أيام حافظ الأسد؟ أليس "أمراء الحرب" اللبنانيين هؤلاء أنفسهم تلامذة حافظ الأسد النجباء، حتى منهم من تلطى بالثورة السورية منذ 2011؟ فيا أيهم اللبنانيون، سترون ذلًا أكثر بعد، ما دمتهم تسيرون عميانًا خلف زعمائكم، وأولاد زعمائكم، وأحفاد زعمائكم، كالخراف. سترون ذلًا ليس بعده ذل، وستقفون بطابور طويل بعد لتنالوا قسطًا يسيرًا من الهواء لتتنفسوه. فأللهم.. شماتة.
التعليقات