الأمم المتحدة الغائية والمكبلة والمسيرة والمسيسة الأهداف، فقدت ماهيتها منذ الولادة بل ولدت ميتة بتابوت الفيتو للكبار المنتصرين برايات النصر قي الحرب العالمية الثانية... بالرغم من ان ولادتها كانت عسيرة وقيصرية أعقبت المحنة التاريخية للشعوب ليس في الحروب الكونية فحسب، وانما حاولت وضع حدود دنيا دون اندلاع حرب عالمية جديد... ولكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف النبيل... لقد اندلعت بعد تأسيسها ببضع سنوات الحرب الهندية الباكستانية والحرب الكورية التي شارك فيها الحليفان المتنافسان وارسو والناتو من خلف الكواليس، ثم أعقبتها الحرب الفيتنامية بنفس مآل الحرب الكورية من حيث الأطراف المشاركة... تلتها الحرب العربية الصهيونية والحرب العراقية الإيرانية والحرب العالمية ضد العراق بعد احتلاله للكويت التي شاركت فيها ثلاثة وثلاثين دولة... وما لبثت الحروب الأوسطية على نهايتها حتى اندلعت الحرب اليوغسلافية... وأخيرا الحرب العراقية الأمريكية...؟
كل هذه الحروب والأمم المتحدة غائبة عن المسرح العالمي، بل أحيانا تعطي الضوء الأخضر بشن العدوان على الدول والشعوب الآمنة من خلال التلاعب بصياغة القرارات الصادرة عنها، وان العقل الذي يدير هذه القرارات معروف للقاصي والداني ولا يحتاج الى دليل... لو تصفحنا ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية عام 1945، في مدينة فرانسيسكو الأمريكية لوجدنا نصوصه مخيبة لآمال البشرية، بل تدعو الى نشوب حروب كونيه بمباركة الأمم المتحدة كما هو منصوص عليه في الفصلين السادس والسابع في فرض العقوبات الدولية الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، على الدولة الخارجة عن القانون الدولي ومن ثم الانتقال الى الفصل السابع في حالة عدم جدوى تطبيق الفصل السادس في المواد 38 و39 و40 ... والفصل السابع يعني إعلان الحرب العالمية ضد هذه الدولة استنادا الى المادة 42، ووفق هذه المادة ان جميع أعضاء الأمم المتحدة يجب ان يشاركون بالعدوان ...؟
إذن مبدأ السلم والأمن الدوليين بات شماعة عدوانية يتكئ عليها دعاة الحروب من الكبار، وان الحجة الواهية في الحفاظ عليه وحمايته لا توجد إلا في قواميسهم الاستراتيجية العدوانية وانها كذبة كبرى انطلت على الرأي العام العالمي منذ عام 1945 ولحد الآن ...؟ إن الأهداف والمبادئ التي جاء بها الميثاق الأمم ليست عظيمة كما يروج له الإعلام الرسمي للدول الكبرى، بل أنها يائسة وبائسة ومضللة ولم تحقق أية من طموحات شعوب الأرض وربما أسهمت في زيادة معاناتهم وويلاتهم وكوارثهم في الحروب المفتعلة بعد نفاذ الميثاق ...؟ ويعد مجلس الأمن الدولي الجهاز التنفيذي المفصلي في الأمم المتحدة تحركه الأطماع والنزعات العدوانية لدول الشرق والغرب، رافعة سيف الفيتو على رقاب الدول الأعضاء وشعوبها ولن تستطيع أية قوة على الأرض من ثنيها أو تراجعها عن أهدافها الشريرة...؟ فهل للأمم المضطهدة وحكوماتها بهذا السيف الظالم قادرة على الحد من هوله وجبروته، اشك في هذا لم ولن تستطع من المواجهة لا في احتجاجاتها وعصيانها المدني ولا بردود أفعالها البسيطة... لسبب ان تلك النخب الحاكمة سخرت كل إمكانياتها العسكرية والاقتصادية من اجل هذا الهدف غير النبيل حتى لو أدى ذلك الى نشوب حرب عالمية رابعة أو خامسة... هذه هي الأسباب الجوهرية التي أدت الى غياب الأمم المتحدة في قوة تأثيرها على المشهد العالمي... أما حضورها الوارد في وحدة الموضوع لا نقصد جهازها التنفيذي مجلس الأمن، وإنما وكالاتها المتخصصة لقد أدت دورها المحوري كما ينبغي ..
نقول هذا في إطار أمانة البيان ولكي لا نظلم أي جهد دولي يخدم مسيرة الأمم ... فالوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة بكل تخصصاتها التربوية والاقتصادية والصناعية وقضايا اللاجئين، وهيئة حقوق الإنسان والاتصالات وحماية تراث الشعوب وقوات الطوارئ الدولية والحفاظ على البيئة، ومكافحة الفساد الإداري والمالي وغسيل الأموال والإرهاب بكل صنوفه بما فيه الإرهاب النووي، وحماية حقوق الطفل والمرأة والفصل العنصري وتأسيس المحكمة الجنائية الدولية ومكافحة كل الجرائم الدولية.. ضد الإنسانية... والإبادة الجماعية والذي يعد أعظم انجازات الوكالات المتخصصة وشرعت اتفاقيات دولية عديدة بهذا الخصوص ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في الدول المارقة والطائفية، وان الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت سلسلة من القرارات تدين تلك الدول....؟ ولكننا نطمح الى الرؤية العملية والتطبيقية بمكيال وحد لا أكثر... فلسنا بحاجة الى نظريات مثالية غير قابلة للتطبيق بعدالة الأنبياء ...؟