قبل ثورة الياسمين التي اندلعت احداثها في 17 ديسمبر 2010م في تونس، ولاحقا في مصر أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، وقلب العالم العربي. لم يكن موضوع الإصلاح السياسي في الوطن العربي مأخوذا على محمل الجد من قبل الأنظمة الحاكمة العربية، رغم بعض الممارسات الديمقراطية المتواضعة في بعض البلدان العربية. الحديث عن الإصلاح السياسي والديمقراطية والمشاركة الشعبية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م لم يتجاوز الهياكل والأشكال، أما الوظائف الحقيقية للإصلاح المتمثلة في حق المشاركة والمسائلة والمراقبة، وتفعيل المجتمع المدني وإشراكه في إدارة الدولة، فالشعوب العربية تسمع بها ليلا ونهارا ولكن لا تشعر بها ولا تراها على أرض الواقع.

الدول العربية التي تعتمد النظام الملكي الوراثي، يتم انتقال الحكم الى ولي العهد طبقا لقانون توارث الحكم المتفق عليه في كل عائلة مالكة. أما الدول العربية التي تعتمد النظام الجمهوري – وهي الأكثرية – فأغلب دساتيرها لا يوجد فيها مواد واضحة تحدد كيفية اختيار الرئيس وصلاحياته وفترة رئاسته، وإن وجدت هذه المواد في بعض الدساتير فإنه يتم التلاعب بها والتحايل عليها من أجل إفراغها من مضمونها، بحيث يتحول الرئيس إلى ملك غير متوج.

إن احتكار السلطة لسنوات طويلة في البلدان العربية خلق طبقات طفيلية في المجتمعات العربية استفادت من هذا الوضع غير الطبيعي في القرن الواحد والعشرين، وتمسكت باستمراره واستماتت ولا زالت تستميت في الدفاع عنه، لذلك فإن هذه الطبقات الطفيلية تقاوم كل محاولات التغيير والإصلاح، وتقلب الحقائق وتبث الشائعات وتثير الرعب بين الجماهير عبر وسائلها الإعلامية بأن الدعوة الى التغيير ستقود الى الفوضى والحروب الأهلية. كما أن أنظمة الحكم عملت طوال سنوات حكمها (ولا تزال تعمل) على إضعاف البنى السياسية والمدنية في المجتمعات العربية. فالأحزاب السياسية مشلولة الحركة نتيجة التضييق عليها، ومنظمات المجتمع المدني مغيبة، مما أدى الى غياب رأي عام شعبي قوي ومنظم يفرض نفسه على السلطة الحاكمة.

الخبير الاجتماعي "الدكتور محمد أحمد الزعبي" يرى أن للتغير أسلوبين هما الإصلاح والثورة. فالإصلاح هو تحسين النظام السياسي والاجتماعي القائم من دون المساس بجذوره أو أصوله، أي انه تغيير غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية. أما الثورة فهي التغيير الشامل والكامل الذي يحدث عندما تصبح القوى القائمة على اختلاف انماطها وأشكالها غير قادرة على مواجهة متطلبات المجتمع القائم. ولكل من الأسلوبين محاذيره، فالإصلاح يتصف بالبطء في خطواته ومرور وقت طويل نسبيا قبل أن تظهر نتائجه. أما الثورة فتوصف بالمغامرة وربما بالشطط أيضا، فهي عندما تدفع بالمجتمع ليتقدم قفزا وحرقا للمراحل فإنما تدفعه الى اتخاذ خطوات قد لا تكون سليمة، وقد لا يستطيع العودة بعدها الى المراحل السابقة التي احترقت إلا بعد بذل تضحيات كثيرة ومؤلمة.

لقد اصبح واضحا أن اعتماد أسلوب الإصلاح السلمي هو الطريق الصحيح والأسلم لتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة في كل الدول العربية من دون استثناء. وهنا يأتي دور أنظمة الحكم العربية الحالية الممسكة بزمام الأمور في تحمل مسؤولياتها التاريخية، والعمل بإخلاص ونية صادقة للعبور بشعوبها الى بر الأمان عبر القراءة الصحيحة لمجريات الأمور في المنطقة والعالم، والتفاعل الإيجابي والبناء مع المطالب الشعبية والعمل على تحقيقها بأسرع وقت ممكن.

إن المشكلة الصعبة التي تواجه الشعوب العربية هي أن كل حاكم عربي يعتقد أن بلاده سوف تنهار وتعمها الفوضى إذا ما تنحى هو عن السلطة طواعية، وكأنما الأمة العربية بشعوبها البالغ عددها حوالي 377 مليون إنسان، وتاريخها الضارب في أعماق التاريخ وحضاراتها العريقة، قد أصيبت بالعقم بحيث لا تستطيع إنجاب قادة وزعماء مؤهلين وقادرين على إدارة شؤون بلدانهم. وردنا على هؤلاء هو التساؤل عن التغييب الطبيعي المعرض له كل إنسان على وجه هذه الأرض كالمرض والموت اللذين لا يمكن التنبؤ بهما أو التحكم فيهما.

لم تعد الظروف والأوضاع الإقليمية والدولية تتحمل أو تقبل بمبدأ سيطرة الحزب الواحد، أو الفئة الواحدة، أو الحاكم الفرد المطلق الصلاحية على مقدرات الشعوب، وأن الشعوب العربية دفعت ثمنا باهظا في كل المراحل سواء بسبب الاستعمار الخارجي أو الاستبداد المحلي. لقد حان الوقت لأنظمة الحكم العربية أن تتخلص من شرعيتها المستمدة من سطوة القوة والقمع والإرث التاريخي البالي، وأن تستبدل بها شرعية دستورية أساسها التوافق والقبول بين الحاكم والمحكوم، والتبادل السلمي للسلطة حتى تنعم المنطقة العربية بالأمن والاستقرار والازدهار كباقي دول العالم المتحضر. أما المماطلة والتسويف للالتفاف على موضوع الإصلاح الحقيقي والتغيير للأفضل، فلن يؤديا إلا إلى مزيدا من التشرذم والتأزم في الأوضاع العربية.