فيما يتحدث الجميع عن قرب التوصل لاتفاق نووي بين الدول الكبرى وإيران، وتتناقل الصحافة الايرانية أخبارا مفادها أن العقبات التي كانت تحول دون تنفيذ الاتفاق... أجد نفسي غير مصدق لصحة ما يشاع ولمصداقية القرار الايراني بالذهاب نحو حل دائم، لأن المتابع للشأن الايراني ولمفاوضاتها السابقة، يدرك تماما أن إيران تجيد المراوغة لكسب الوقت

تذرك إيران تماما المخاطر المحدقة باقتصادها والتي زادت من حدتها سلسلة العقوبات الأمريكية ومخلفات الجائحة وهذا ما يجعلها تظهر نوعا من الليونة على غير العادة في محاولة لإقناع دول الغرب انها مستعدة للتخلي عن طموحاتها النووية مقابل التخفيف من وطأة العقوبات والسماح لها بامتصاص الصدمة التي حصلت للاقتصاد الايراني خلال السنتين الأخيرين، الا أنها وفي الحقيقة تحاول كسب المزيد من الوقت، وتجنب خطر الضربة العسكرية الاسرائيلية التي اتخذت منحا جادا من خلال تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي ورئيس حكومته.

إيران ليست بتلك السذاجة لترضخ لشروط قاسية تقضي على مشروع لطالما تغنت به، واستنزف من خزينتها الملايير من الدولارات وترتب عنه أيضا حظر وتجميد لأموالها في الخارج، كما كلفها كلفة اقتصادية ضخمة نظرا لامتصاصه مبالغ كان يفترض ان توجه لدعم الجبهة الاجتماعية والتقليص من الفقر الذي ينخر المجتمع الايراني، ولهذا أقول بأن إيران لن تذهب لاتفاق نووي وستتحجج بشروط ونقاط خلاف لكي تدفع بفشل المفاوضات والترتيب لها في وقت لاحق، ولكن المفاوضات لن تصل أبدا الى نتيجة مرضية للغرب.

ان سياسة الهروب الى الامام سياسة تجيدها إيران منذ الأزل، وتهدف فقط لكسب الوقت من أجل تفادي الدخول في مواجهة مباشرة مع اسرائيل ومن أجل ضمان استمرار نشاطاتها النووية السرية الى غاية تحقيق نقاط ارتكاز جديدة يمكننها أن تزيد من قوة موقفها في أية مفاوضات أخرى.

لقد حاول الغرب سابقا التعامل مع كوريا الشمالية بأسلوب المفاوضات ولكنهم فشلوا في اخضاعها واجبارها على التنازل تحت وطأة الضغوط الاقتصادية، واستمرت بيونغ يانغ في نشاطاتها واستعمال أسلوب المراوغة الى غاية تحقيق مبتغاها واجبرت الغرب على تقبل الأمر الواقع وعلى تحويل الأنظار عنها. تحدوا إيران الآن في نفس مسار كوريا الشمالية: تارة ترواغ وتارة آخرى تهدد، ثم تظهر نوعا من الليونة ونوعا من القابلية لتقديم تنازلات وهي في الحقيقة تضحك على الجميع.

والآن وبعد أن لاحت حرب باردة جديدة في الأفق بين روسيا و أمريكا تحاول ايران الاستثمار فيها من خلال زيادة التقرب الى الكريملين والتخندق في جبهة بوتين في جبهته المعارضة لدول الغرب لتتوسع الجبهة ويصل ضغطها الى الشرق الأوسط، ويتضح من خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الايراني لموسكو، محاولة طهران لركوب الموجة وجعل الغرب يتحسب لإمكانية ان يشكل بوتين مع رئيسي محور شر جديد يخلط الأوراق ويكسر سلسلة العقوبات الأمريكية المتحملة على موسكو، اذ ان هاته الأخيرة تعول كثيرا على جيب زبونها الايراني الذي يحتاج المزيد من الأسلحة لتزويد الحوثيين وحزب الله بها، كما ستحاول أيضا استعمال طهران في تهديد نفوذ أمريكا وحركة الملاحة في المنطقة اذا ما عاقبتها على اجتياح مفترض لأوكرانيا.

ستتبث الأسابيع القادمة ان إيران احتالت على الجميع واستغلت الوقت الكافي للتتجهز ضد احتمال أي ضربة عسكرية اسرائيلية ضد منشآتها النووية، وستعود وزير الخارجية الإيراني مجددا للحديث عن أن الاتفاق النووي يلغي حقوقها المشروعة وعن سياسة الكيل بمكيالين التي تمليها المفاوضات، وعن تصور خاطئ للغرب عن طموحاتها السلمية، وعن عدم توافق وجهات النظر بخصوص بنود الاتفاق.

وليعلم العرب ان إيران لن تستعمل النووي لتحرير القدس والقضاء على اسرائيل، بل لضم العراق واليمن كمحافظات جديدة ولممارسة الابتزاز على دول الخليج وفي مقدمتها السعودية ولإجبار الجميع على الاعتراف بها كإمبراطورية تفعل ما تشاء من دون أن تأبه لأحد.