أصبحت الراديكالية كلمة شائعة وتستخدم في نطاق واسع، لكن غالبًا ما يتم تعريفها وتوظيفها بطريقة خاطئة، وعادة ما تلصق للإشارة إلى جميع الإرهابيين بدون تمييز، ويجب القول بأن ليس كل الإرهابيين راديكاليين. هناك عدة عوامل تدخل في دخول الشباب في المجاميع الراديكالية ويمارسون العنف لكن بدون أن يكون الشخص راديكاليا وراغبا بتغيير العالم جملة وتفصيلا.

عرفت دائرة الامن الوطني النرويجي الراديكالية على أنها "عملية يتقبل فيها الشخص وبشكل متزايد استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية". والاهداف السياسية هي أحد الشروط التي تحدد إن العمل راديكاليا أم لا، و يمكن أن تحدث مثل هذه العمليات ضمن جميع أنواع المجاميع ذات الآراء الشمولية والأيديولوجيات السياسية، سواء كانت من أمثال النازية الجديدة أو دعاة الفوضوية أو طوائف دينية متطرفة بما في ذلك الإسلاموية الراديكالية أو دعاة التطرف مثل المطالبين بـ الولاء والبراء.

الحاجة الى الحياة الاجتماعية
مجتمعاتنا أصبحت معقدة، وفعلا يحتاج الجميع فيها لخلق مفاهيم جديدة تسمح لنا بقبول الغير وتخفيف الطبقية التي تساعد على الاستقطاب. المجتمعات الفقيرة مستهدفة بسبب حالة اليأس التي يعيشها الناس بتحسين الحال خصوصا بعد الصبر من قبل أجيال وأجيال، وبحاجة حقيقة لعملية اعادة اندماج للكثير ممن تكلمون نفس اللغة ويحملون نفس التقاليد، إلا أنه توجد أمور أخرى تتدخل بقبول الغير خصوصا تلك القوانين الغير مكتوبة، لذلك يشعر بعض الناس بإحباط شديد يدفعهم ويحثهم للبحث عن طرق بديلة ومتطرفة لفهم المجتمع ويعملون على تغيير المجتمع حتى لو كان باللجوء الى طرق راديكالية، ولكن عموما لا يسافر الجميع للمشاركة في الفريضة الغائبة، بل هناك من يريد تغيير وضعه وهناك من يريد الفرار لأنه مطلوب في قضية ما أولاسباب أخرى غير عقائدية.

ويرتبط دافع التغيير بشكل عام بدرجات مختلفة من العزلة التي يعيشها الانسان والتهميش المجتمعي. هناك أدلة بحثية قوية تفيد بأن العديد من أولئك الذين يشاركون في الجماعات والأنشطة المتطرفة العنيفة يفعلون ذلك لأسباب واحتياجات اجتماعية، وليس بسبب المعتقدات الأيديولوجية والدين. (بجورجو ، 2015) الباحث في مجال الجريمة ومؤلف كتاب الوقاية من الجريمة.

وهناك بعض الطوائف وأفراد من جماعة الإسلام المتطرف مثل ما شاهدناه مع الدولة الاسلامية والقاعدة وغيرها، يقومون بعملية التجنيد بعمل ممنهج وعلمي وبعجلة اعلامية كبيرة قادرة على رصد الاشخاص، دراسة افكارهم واستمالتهم، ومن خلال الاحصائيات تبين أنهم قادرين وبسهولة اكتساب افراد يشعرون بهشاشتهم وتهميشهم في المجتمع أو يعانون من النبذ المجتمعي.

في بعض الحالات سعى الأفراد وبهمة وراء الجماعات المتطرفة أو الأفعال المتطرفة نتيجة حاجتهم الشخصية لمجتمع ينتمون اليه. وبمجرد أن يصبح المرء جزءًا من المجموعة ، تكون القوى المتلاعبة والمحركة له قوية جدا بحيث لا يستطيع الخلاص منها.

يقول: "Kimmie Åhlén 26 سنة، أخيرا وجدت نفسي من خلال هذا الانتماء الحقيقي! عندما كنت صغيرا كنت وحيدا وتعرضت للتنمر وأخيرا وجدت من يتقبلني وشعرت بالانتماء في بيئة متطرفة وأصبحت عضوا في النازية الجديدة ومجرما، ولم يعني لي أي شيء أنني أنتمي الى مجتمع يسعى للتدمير لأنني ولأول مرة في حياتي أصبحت جزءا من مجموعة". هذه المعلومة من موقع utveier.no الذي تشرف عليه السلطات النرويجية.

تكتمل الراديكالية كإجراء بعد انتهاء الهجوم الذي يستهدف هوية الشخص، عاداته والكثير من مبادئه. الغرض من ذلك هو تغيير تصور الشخص لواقعه من جهة وكذلك تغير مفهومه لصورته الذاتية.

تقول الخبيرة النفسية النرويجية كاثرينا مويستوا “ إذا فهمنا الآليات النفسية الكامنة وراء عملية التطرف، عندها سنكون قادرين على تقديم العون الناجع والفعال".

الاجراءات الهادفة
هناك حقيقة ثابتة وهي أنه لا يمكن ان نجد تفسيرا للراديكالية من خلال دراسة تاريخها بل من خلال طرق التجنيد التي استخدمت فيها.

تستهدف المجموعة أو الشخص الذي يقوم بالتجنيد أولا تغيير تصور الشخص للواقع و تغير مفهومه عن صورته الذاتية "من أنا" ، والغرض من ذلك هو جعل المجند يجد نفسه من خلال خضوعه للتجنيد (القيادة) وكذلك من خلال ايمانه بعقيدة المجموعة الراديكالية، وتمر هذه العمليات تحت رادار عقله الواعي فلا يرصدها ويكون العقل اللاواعي قد تمت السيطرة عليه.

من الشائع أن نرى الراديكاليين يبدئون بتجنيد المقربين منهم من الأصدقاء وأفراد العائلة. هذه الظاهرة واحدة من العديد من القواسم المشتركة بين الطوائف والجماعات الإرهابية.

تمت دراسة هذه المرحلة الحساسة من قبل عدة خبراء في الدول الاسكندنافية عن قرب وأوضحت الدراسات أنه حتى هذه المرحلة يتم الحفاظ على سرية الإدارة العليا، وهذه السرية تستخدم كأداة ضغط على الافراد للوصول الى السيطرة التامة، عندما يتم اعلام الشخص بمعلومة سرية يرى أنه أصبح من "أهل الدار" وعليه لا يمكنه الخروج من هذه المجموعة، وكأنه خروج من الملة.

إن أهم ما يميز الاجراءات الراديكالية هي أنها تعكس تغييراً جذرياً في قيم المجند وفي مواقفه وكذلك سلوكياته السابقة، ويصبح مؤمنا تماما بأن اختياراته جاءت بناء على رأيه الشخصي وارادته الحرة (لا أحد يحمل بندقية موجهة الى رأسه ويجبره على فعل ما يفعل)، إلا أن هذه التغييرات والمواقف التي يتوجب عليه القيام بها تنطوي على كلف باهظة للمجنّد، قد تتسبب بعزلته عن الأسرة والأصدقاء، وتفقده الكثير من الفرص والامكانيات، وبالإضافة الى الأضرار النفسية التي تلحق به شخصيا وبأقاربه، إلا أن المجند يراها رخيصة تجاه قدسية وعظمة معتقداته الجديدة.

عندما ننظر الى التكاليف الباهظة التي يدفعها الراديكاليون يصبح من السهل علينا ادراك حجم التلاعب بالعقول الذي تعرضوا له: لنتخيل هذا السيناريو. يتم طرح سؤال على أحد المجندين:

- 'مرحبًا ، هل أنت راغب بالتخلي عن خططك المستقبلية، وقطع جميع الاتصالات مع عائلتك وأصدقائك، وتقوم بتقديم الطاعة المطلقة كعبد لقضيتنا ولقائدنا. لا نعلم ما هو الدور الذي ستحصل عليه، قد يكون غسيل الملابس، أو جمع الأموال، أو تجنيد الآخرين، حتى نقوم بتفجيرك على الاعداء.

- ماذا تقول؟ هل أنت مهتم بالانضمام؟

لا يمكن لأي إنسان أن يقول نعم أنا راغب بذلك، إلا انسان يائس يتمنى الموت، خصوصا أن المطلوب يتعارض مع القيم السماوية والدنيوية، ومع ذلك ففي المحصلة النهائية نجد الكثير من المجندين قد فعلوا ذلك وفجروا أنفسهم.

العلاقة بين التطرف والصحة النفسية
لا توجد أسس علمية تؤكد أن لدى الإرهابيين أمراض نفسية فوق المعدلات الطبيعية. وهذا ما تؤكده البحوث التي قام بها المركز الوطني النرويجي للعنف والصدمات النفسية. مع ذلك، يمكن لبعض الظروف أن تجعل الانسان أكثر عرضة للتجنيد من غيره:

* الشعور بالوحدة (مثل الانتقال إلى مكان جديد، وعدم قبول الشخص في المجتمع الجديد، الاحتقار).

* الاكتئاب (الذي نشعر به عندما نفقد صديقًا لا يعوض أو لا يجد صداقات حقيقية تسد فراغا اجتماعيا أو عاطفيا)

* الشعور بعدم الأمان بخصوص خيارات الحياة المستقبلية، ( من أنا وهل سأحقق ذاتي وأكون كما أريد).

* الاحباط الشديد (مثل البطالة لمدة طويلة، الفاقة، نقص فرص الحياة، تعاطي المخدرات، الشعور بالظلم أو الجريمة التي يخجل المرء منها مثل الاعتداءات الجنسية في مجتمع محافظ، شخص مهم في المجتمع يعتقد أنه يستحق دورا أكبر في الحياة). هذه الامثلة نجدها بشكل واضح في غيتوات فرنسا، انكلترا، بلجيكا وغيرها من الدول.

هذه الظروف تجعل الانسان يركز على نواحي الضعف في حياته، فيركز على ما تعرض له من ظلم منذ نعومة اظفاره، ويشعر بانه منبوذ وبالتالي تتركز في ذهنه فكرة " أنا انسان مهمش ومنبوذ"

رغم ما ذكر اعلاه فهذا لا يعني أن شعور الانسان بالإقصاء أو التهميش سيجذبه مغناطيسيا تجاه المجاميع الراديكالية.

غالبا ما يبدأ الامر أولاً بتفاعل ما بين الشخص الذي يقوم بعملية التجنيد والمستهدف، ويبدأ أولا بخلق الأوهام عن صورته الجديدة ويعطى المجند وعودًا كاذبة تشير الى دوره الجديد والمهم وهويته العظيمة التي ستخلقها مهماته الجديدة والتي ستخلق مجتمع المدينة الفاضلة، أو كما يقول الشاب مشعل حسن الشرجي الذي بدأ مسيرته بالانضمام الى جبهة النصرة : تم تجنيدي في سن الـ 13 في المسجد ودخلت لأنه قيل لي نحن الطائفة الباقية على الحق، وأنتم صغار السن ستبنى عليكم دولة محمد ص". وهكذا تصبح هذه العضوية مغرية جدا لشاب صغير.

الوقوف بوجه مثل هذه المغريات يتطلب نضجا عاليا، من شروط الحصول على هذا النضج أن يمنح الشباب أمكانية حصولهم على هوية مقبولة اجتماعيًا، ولهذا نرى أن الأشخاص الذين لا يتمتعون بتقدير عالي لأنفسهم لديهم ميل أقوى إلى التماهي مع الأبطال الثقافيين وتبني قيمهم، وكأن بلسان حالهم يقول: "أنتم تحترمون فلان وأنا شبيهه فعليكم أن تحترموني".

ويتوجب على الإرهابيين العمل بشكل مرضي في تحقيق اهداف المجموعة لكي يتم اعتبارهم موردًا مفيدًا ومهماً للمجموعة التي سيتم تجنيدهم فيها. قد يعاني الإرهابيون المنفردون أو ما يطلق عليهم " الذئاب المنفردة" إلى حد كبير من مشاكل عقلية أو يكونون في حالة اختلال عقلي أثناء ارتكابهم لأعمال إرهابية.

وتؤكد الدراسات أنه أثناء عمليات التحول الى الراديكالية أو المشاركة في الاعمال الارهابية قد تتسبب هذه المشاركات بمشاكل نفسية، لذلك من المهم دراسة كل حالة وفق معطياتها.

آليات التلاعب
أفضل النماذج التي توضح لنا كيف أن عددا كبيرا من الإرهابيين تم تجنيدهم واقتناعهم لارتكاب أعمال إرهابية لم تعتمد على الصفات الشخصية أو نقاط الضعف في الانسان، بل على طبيعة عملية التلقين التي استخدمت وقوة آليات التلاعب واساليبها، لهذا نرى اختلافا كبيرا بين من هاجر للجهاد في افغانستان في ثمانينيات القرن الماضي حيث كان التجنيد يتم من خلال المساجد والاتصال المباشر ومن سافر الى العراق وسوريا في القرن الحالي حيث كان الاتصال عبر الشبكة العنكبوتية.

لأن الذين يعملون في مجال الاكتساب والتجنيد يحرصون على عزل المجند عن مجتمعه فيصبح فكرهم المتداول اجتماعيا هو فكره، وهذه العملية تختلف ما بين ذلك الزمان والزمن الحاضر، فمن كان يعزل عن العالم في مجتمع يرتبط بالمساجد أصبح يعزل اليوم في العالم الافتراضي، قد تكون غرفة نومه.

ضغط الأقران هو أحد أهم الوسائل المستخدمة لربط المجند بمجموعته فيصبح الأمر ليس فقط امتثالا للأوامر، بل هو نوع من "المطابقة الكاملة": يعيش المجند حياة خانقة ويتخذ قراراته ضمن واقع محدود للغاية حرصت المجموعة على خلقه وحبسه داخله وفوق شروط تصل مرحلة القدسية. فهو ليس معزولاً عن المجتمع وعائلته فحسب ، بل عن نفسه أيضاً وعن مشاعره.

آليات التطرف لم تعد سرا. يمكن تفسيرها بمعرفة التأثير الاجتماعي ونظامي التفكير في الدماغ (كانيمان ، النظامان 1 و 2).

هناك العديد من الآليات التي تخلق الامتثال والطاعة العمياء. إن الشيء المميز في مثل هذه العمليات وما يميزها عن ما يحدث في حياتنا اليومية هو شدتها وقوة احاطتها بالشخص وكأنها قبضة حديدية يستمتع المجند بها. يمكن لأولئك الذين يقومون بالتجنيد قضاء مئات الساعات في إنشاء اتصال جديد، وعزل المجند عن عالمه ليتحول الى انسان آلي مطيع. أهم النواحي المستهدفة هي احتياجات الإنسان الأساسية من الحب الى الهروب وتحسين الوضع الاجتماعي والعقيدة؛ أن يكون لديه صورة ذاتية جيدة، وأن يكون مقبولاً اجتماعياً وأن يشعر بثقته على اتخاذ قرارات مصيرية لإنقاذ العالم.

الاستدراج
في البداية، تبدأ العملية باظهار "الحب" الحب دون قيد أو شرط (ويسمى أيضًا الاستمالة) وهي من أهم الاليات المستخدمة في مجال التجنيد. تتظاهر الإدارة بأنها متعلقة بقضية مبدئية عقائدية وتجعل المستهدف يشعر أن له مصلحة مشتركة مع المجموعة لتحقيق هذه القضية العادلة. هذا الأمر يساعد على بناء أواصر قوية مبنية على الثقة بين الطرفين. يقوم بعض افراد المجموعة بالثناء على الشخص واعطاءه الاهتمام المناسب والارتباط بصداقة تصل الى مرحلة أن النفس رخيصة أمام هذه الصداقة، ويرسلون له الهدايا والرسائل النصية ويحدث هذا احيانا وهم معًا دون إخباره من هم أو ما هي المنظمة التي يمثلونها.

ويجب أن استرعي انتباه القارئ الكريم! لا أعني هنا أنهم متطرفون لأنهم مهمشون وأنهم بحاجة للحب، ولكن تتم استمالتهم لشعورهم أن هناك شخص يحبهم لذاتهم، يمنحهم وقته واهتمامه بدون مقابل ويعطيهم اعتبارا كبيرا ويسمع آرائهم باحترام أمر يفتقدونه في حياتهم الحالية. غالبًا ما يكون هذا الشعور بالحب قويًا لدرجة أنه لا يمكنهم أبدًا أن يتذكروا أن أحدا منحهم من قبل مثل هذا الحب الكبير ولا حتى عوائلهم.

وفي مرحلة لاحقة، يحرم المجند من هذا الشعور، وتكون الاعذار تتعلق بقضايا مصيرية، ولتتضح في هذه المرحلة وجه المنظمة الحقيقي، فيعملون جاهدين ومضحين بكل شيء لاستعادة ذلك الشعور الرائع الذي منحتهم اياه المنظمة، بمعنى أصح يصبح مدمنا على ذلك الاحساس بالحب المطلق.

الميكانيكية
بمجرد أن يتقدم المجند وينغمس في عقيدة المجموعة، تتغير آليات التلاعب. فيتم التلاعب به من خلال عاملين أولا عامل الخوف وثانيا ضغط الأقران. تدخل المجموعة في داخل عقل المجند وتوقف كل اجهزة التنبيه التي قد تدق عند الانسان عندما يخامره الشك، فلا يرن جهاز الانذار في عقله بعد ذلك، وهذا التدخل يؤثر على طريقة تفسير المجند لما يدور حوله ويتسبب بسماحه لمن يقوم بتجنيده بالاعتداء على شخصيته وتغييرها، بحيث يرى المجند أن من واجبه تغيير عاداته اليومية وعاداته الغذائية وقواعد اللباس واختيار الكلمات، لينتهي به المطاف بكسر الروتين اليومي وتحطيم الثقة بالوالدين والمجتمع ويخلق عند المجند مبادئ واسس فكرية جديدة يراها متأصلة فيه والحقيقة انها جاءت نتيجة التلاعب به وبفكره، فينتهي به المطاف برفض أي نصح يأتي من خارج المجموعة.

الرهان على الخوف
عندما يخاف الناس، يمكن أن يصابوا بحالة تشبه الشلل في بعض الأحيان بينما ميكانيكية الدفاع تكون على اهبة الاستعداد لرد الفعل، لذلك نرى أن الذين يقومون بالتجنيد ينتظرون هذه اللحظة ويمتلكون القدرة، المهارة والسرعة بأن يشيروا إلى الحل ويظهرونه على أنه أمر ملح مستعجل : وكأن المجند سيفقد الطريق إلى الخلاص أو أن فرصته لإنقاذ العالم ستفوت إذا لم يتحرك الآن. شعور المجند بضياع الفرصة ستكون دافعًا قويًا لكي يتصرف خصوصا عندما تكون الحالة العقلية للمجنّد مثقلة بالخوف والارتباك، كما حدث في حالة الإرهابي النرويجي Philip Manshaus الذي قتل اخته قبل أن يهجم على المسجد.

غالبًا ما يُطلق على التفاعل وديناميكيات العلاقة وأيديولوجية الجماعات الشمولية بـ الثالوث المدمر: يتماهى المجند في ذات القائد ويخضع له ويصبح بحاجة يومية لأن يشعر بأنه مقبول من قبل قيادة المجموعة وأفرادها. تُعتبر علاقة اتباع القيادة، جنبًا إلى جنب مع رؤية كمال الأيديولوجية المتبعة ، بمثابة مرآة ترفع دائما أمام المجند لتعزيز شعوره بالذنب عند أي تقصير وتدخل المجند في عملية التطرف الذاتي، فيستمر هو شخصيا بالانغماس في دوره أعمق وأعمق.

تقنية وضع القدم على عتبة الباب
عندما نسمع بـ "التطرف الذاتي" نعتقد أنها عملية تجري من تلقاء نفسها ، ولكنها ليست كذلك فالأمر يتعلق بإدمان المجند على ارضاء مجموعته عنه، لينال التقدير الذي اصبح لا يستطيع العيش بدونه ويتم ذلك عن طريق تطبيق اخلاقيات المنظومة والوصول الى درجة الكمال التي لن يصلها ابدا لذلك يبقى يعمل جاهدا للوصول اليها وهي كالسراب.

يُطلق على التقنية التي تبدأ بدفع المجند الى العمل الميداني بآلية: " وضع القدم على عتبة الباب"

وغالبًا ما تبدأ بخطوات صغيرة تبدو مثالية وغاية في الرقي الاخلاقي مثل جمع الأموال للضحايا في منطقة منكوبة، جمع نقود لأطفال الشوارع وغيرها ومن ثم تتحكم المجموعة بالمجند عن طريق التزامات متزايدة باستمرار وتتوافق مع الخطوات الصغيرة البريئة وكأنها استكمال لذلك الانجاز العظيم، وتتلاعب الإدارة بالمجند عن طريق شعوره بالذنب عندما يرى من خلال عيون مجموعته كيف تقوم قوى الشر بالوقوف بوجه كل الخير الذي يرغب بتقديمه لهذا العالم، لذلك يبدأ بالعمليات البسيطة المتعلقة بـ

"شوكة النكاية" والاضرار ببعض المصالح وبذلك يصبح المجند اعمى ويعتقد أن الخيارات التي يتخذها هي نتيجة قراراته الذاتية، فيبقى محبوسا في هذا العالم الجديد بعد أن مارس الجريمة معهم.

ومهما طرح عليه من اسئلة نقدية تسلط الضوء على ما يجري أو ما خفي عليه سيكون من الصعب عليه الاعتراف ولا حتى أمام نفسه، لأنه من المستحيل أن يعترف أو يرى أن ما يقوم به هو لأجل شعوره بالمقبولية والاحترام.

لهذا السبب فالبلدان العربية بحاجة ماسة أكثر من الدول الاوربية بالقيام بتنشيط المجسات الاجتماعية، من خلال المراجع الثقافية والدينية والعشائرية، لأطلاق جهاز انذار مبكر للأخذ بيد المغرر بهم أو رعاية مجموعة معينة او طائفة معينة من خلال عمل مؤسساتي لا وجود له في يومنا الحاضر..