التقارب الصيني-السعودي الذي بانت بوادره قبل فترة من خلال الإتفاقات العسكرية في مجال التسليح ومطالبات هذا البلد الخليجي لبكين بتزويده أسلحة صواريخ بعيدة المدى وأخرى دفاعية بَحرية بعيداً عن الترسانة الأمريكية التي كانت تلبي أغلب إحتياجات هذا البلد الخليجي، يبدو أن أوجه هذا التقارب والتعاون ستتمدد وتتسع مساحاته لتشمل إتفاقات وتحالفات إقتصادية تؤدي بالمحصلة إلى تفاهمات سياسية وإقليمية خصوصاً بعد نيّة الصين الإتفاق لشراء النفط السعودي بعملة اليوان الصيني وهو مؤشر إقتصادي يحمل أبعاداً سياسية تبين نيّة المملكة العربية السعودية بالإبتعاد عن هيمنة الدولار الأمريكي وإمكانية تأثره بالأحداث السياسية والمواقف الدولية وتعتمد في نفس الوقت التنويع في مصادر النقد لإستدامة إقتصاد مستقر آمن دون تبعيّة وإن صّحتْ هذه الإستنتاجات (وهي صحيحة بالتأكيد) فهذا يعني أن النفط السعودي المُصدّر سيكون بعملة اليوان الصيني وهو ما يحذو إلى تسارع دول خليجية أخرى بإتفاقات مشابهة وجعل النفط الخليجي مقابل اليوان الصيني خصوصاً بعد الهزائم السياسية والعسكرية لأمريكا صانعة الدولار والمهيمنة على العالم بهذه العملة.
خطورة الموقف تكمن في الدول التي إرتبط إقتصادها بعلاقة وثيقة بالدولار وتبعيتها لذلك النقد الأمريكي الذي توغل في مفاصل إقتصادياتها ومنها العراق التي لم تفكر حكوماته المتتالية وطيلة تلك الأعوام من فكّ إرتباط إقتصادها من قيود هذه العملة التي عاثت خراباً وتدميراً في القدرة الشرائية للمواطن العراقي خصوصاً بعد القرار الحكومي برفع أسعار الدولار مقابل العملة المحلية الوطنية في قرار طائش لا يتخذه إلا من غادرت الوطنية مخيلته.
اليوان الصيني مقابل النفط الخليجي قرار قد يجد له التوسعة في التطبيق والفعل في الأيام القادمة بدول خليجية تسعى للإبتعاد عن هيمنة القطب الواحد في منظومة إقتصادية محايدة، لكن الأخطر هي تلك الضربات الإرتدادية التي سيحدثها ذلك القرار على الإقتصاد العراقي خصوصاً وإن القرار البديل غائب عن التبعيّة الإقتصادية ومؤشر قد يُعلن بداية لضمور إقتصادي يواجه العراق وهو الذي يُصدّر نفطه بالدولار إلى درجة تفضيله على عملته الوطنية ما يعني توقع كارثة إقتصادية محتملة تُطيح بهذا البلد الذي هو منهار إقتصادياً في الأصل.
البعض ممن إمتهن التغابي وسوء الإدارة والكذب والخداع سيجدون الأعذار والتبريرات والإنكار لمثل هكذا إنهيارات وإبعاد الإقتصاد العراقي عن جائحة الإنهيار بحجج ساذجة ، لكن هؤلاء يتناسون أن أي قارئ بسيط في أبجديات الإقتصاد يُدرك أن شرارة الضرر قادمة إلى العراق لا محالة.
من هنا لا بد لمن يتحكم بالمشهد السياسي القادم أن يُدرك أن تبعيّة الإقتصاد للدولار التي أنتجتها التبعيّة السياسية حتماً ستقود البلد إلى الإنهيار والتهاوي الذي سيُسقط الجميع في واديه السحيق، وإن تنوع مصادر النقد والبحث عن بدائل نقدية لدول ذات عملة مستقرة سوف يُبعد صفة التبعيّة الإقتصادية وبالتالي رفض التبعيّة السياسية وهي المحصلة التي أنتجتها تلك السياسة.
بقاء القيمة النقدية للدولار بهذا المستوى المرتفع في العراق فقط دون غيره من دول الخليج قد تُطيح به أمواج النقد الأخرى التي تسعى إليها دول الخليج في تعاملاتها التجارية ليبقى الدولار عملة ذات قيمة عالية وهمية في العراق وحده وذلك هو الإنهيار الإقتصادي.
التعليقات