شعور بالشفقة يجتاحني وانا أمر بشعوب تعتقد ان الحرية والديمقراطية بضاعة توزع مجاناً في الجمعيات التعاونية، الا أن الحكومات الفاسدة لا توصلها الى ابواب البيوت.. فيقضون حياتهم كما قضى اجدادهم الحياة بالدعاء ونشر الادعية بان يضرب الله الظالمين بالظالمين ويخرجهم من بينهم سالمين، متواكلين على الله ومحولين انفسهم والمجتمع الى أناس سلبيين تماما تجاه المجتمع.

.. وتسألني لماذا نتخلف؟؟

الصراحة
سلوكيات المثقف العربي تثير الريبة في النفس، إذ يحمل المثقف العربي يوميا مصباحه ويوجهه تجاه الفساد المالي والإداري و احتكار الثروات في وسائل التواصل الاجتماعي معتقدا أن ذلك كافيا لأيقاظ وعي المواطن ودفعه لبناء مجتمع ديمقراطي حر، خصوصا مع ازدياد عدد المعجبين بهذا النقد أو ذاك وناسيا او متناسيا ان هذه المنشورات لم تأت بأكلها يوما، مجرد كلام، وان الكاتب والمعجب الذي لعن الفاسدين مساء مستعد لدفع الرشوة او تقبلها صباحا. لان الرشوة لم تعد رشوة بل اسمها هدية وصفقات الفساد السياسية اسمها " تمويل العملية السياسية".

من جانب آخر فان المنددين بالفساد والفاسدين يقفون احتراما بوجه رموز الفساد في البلاد ولا يظهرون لهم اي مظهر من مظاهر الامتعاض او الانزعاج ولا اقول الاحتقار فطموحي بمستوى الواقع.

وعندما يعترف احد الفاسدين كما فعل مشعان الجبوري في برنامج تلفزيوني تراهم ينسون الرشوة ويتغزلون بشجاعته على قول الحقيقة، اقل ما يقال ان الشعب اصبح فاقد الاهلية.

وفي مشهد آخر تجد المثقف الذي يضع اللائمة في هذا الخراب على عاتق الدولة ويطالب بقيام الدولة بواجباتها ومن ضمنها السلطة القضائية تجده يشارك في " دكة عشائرية" منفذين حكما عشائريا يتضارب مع حكم المحكمة.

لذلك لا غرابة في الأمر عندما نرى المثقفين العراقيين يركزون على السياسيين الفاسدين ارضاء للعامة وفرحين بتجاوب الناس مع طروحاتهم مغلقين عيونهم عن جانب خطير ومسؤولية تاريخية، الا وهي مشاركتهم المباشرة بترسيخ اساس التخلف في مجتمعهم.

النظام التعليمي
النظام التعليمي في العراق لم يعد نظاما، فقد اخترقه الفساد من الالف الى الياء، صمت الكادر التعليمي على سقوط المؤسسة التربوية دليل على التصالح مع الانحلال، لأن هذا الخراب الذي ألم بها لم يحدث بين ليلة وضحاها بل استمر دون اي اعتراض من كل العاملين بما فيهم الرئيس والمرؤوس، اذ أن جل همهم هو استلام الراتب، المخصصات والحوافز غير منقوصة وبدون عناء.

الوعي
الوعي المجتمعي بداية التغيير، وهو كفيل بمطالبة جماعية بالتوزيع العادل للفرص، القصاص من المقصرين، والارتقاء بالسلطة القضائية الى مستوى النزاهة والدفاع عن القوانين. الديمقراطية "كل لا يتجزأ" وفقا لمزاج فلان، أو نزولا عند رغبة الشيخ الفلاني أو السياسي العلاني، أو خوفا من الميليشيا ح أو ع.

بعد هذا يجب ان اذكر ان كثيرا من السياسيين الفاسدين وصلوا الى السلطة بأصوات حقيقة اما مدفوعة الثمن، او نتيجة ولاءات معينة قبلية، عشائرية، دينية او او.. وعليه يجب ان اقول ان الفساد يتحرك كما ترمي حجرا بعد حجر في بحيرة ساكنة حلقات تتبعها حلقات تتسمع حتى تصل الضفاف.

وعليه لا يمكن اختزال الانظمة الديمقراطية التي تؤمن بالعدالة والحرية بمبدأ القصاص من المسؤول ومن يقول بذلك فهو ينسف كل مبادئ الكرامة ويرسخ لاضطهاد المواطنين.

وفي الختام
ما ذكر اعلاه لا يعني ان المجتمع مسؤول عن فساده، بل هو ضحية انظمة ديكتاتورية واضطهاد طويل الامد بحيث اصبح المجتمع يفكر مثل القطيع ولا يجرأ احد على الانفراد عن هذا القطيع.

والاشكالية الاكبر ان الاصلاح بحاجة الى مثقفين فاعلين في الميدان في الشوارع في الدوائر وفي المدارس يطبقون ما ينشرونه على صفحات الفيسبوك امام الناس صابرين امام اخطاء المجتمع والسلطة، وشعوبنا بحاجة لوعي يحرك الجميع ويجعلهم فاعلين في الميدان لنصل الى تغيير جذري.

وإلا فمجتمعاتنا تسير بخطى حثيثة الى خرابها.