حتى اليوم وبعد نحو 20 عاما على سقوط البعث ونظام صدام حسين، مازالت الجماعات الدينية الحاكمة تبرر فشلها الذريع في إدارة الدولة وتدمير البنية التحتية للبلاد بـ (البعث)، في محاولة للتهرب من المسؤولية وللتغطية على فسادها وجرائمها وللعب على مشاعر العراقيين التي تختزن الكثير من المآسي من النظام السابق.

لكن إلا يعلم من يحكم اليوم ان أي مقارنة لن تكون في صالحه حتى لو كانت هذه المقارنة مع الشيطان ذاته، اجزم انه سيفوز اذا قورن بمن سيطر على حكم العراق بعد 2003 بواسطة أمريكا وجيوشها وليس بنضاله أو جهاده المزعوم.

كما ان جرائم وخطايا جماعات ومليشيات الولي الفقيه الإيراني في العراق قد تجاوزت بإضعاف مضاعفة جرائم وخطايا النظام السابق، أضافة الى الخراب وتدمير كل شيء وعلى وجه الخصوص منظومتي التعليم والصحة اللتان كانتا الأفضل في المنطقة بل ومن الخمسة الأوائل في العالم بحسب منظمة اليونسكو، يوم كان التعليم في العراق يتنافس مع الدول الاسكندنافية على المركز الأول، وحاليا وصل ذيل القائمة حتى أصبح خارج التصنيف العالمي.

ثم أن استخدام شماعة البعث سيذكر العراقيين بان أغلب قيادات الأحزاب الحاكمة اليوم، كانت أعضاءً في حزب البعث مثل نوري المالكي (زعيم حزب الدعوة ورئيس وزراء أسبق) وقيادات حزب الدعوة الآخرين مثل ابراهيم الجعفري وحيدر العبادي ووليد الحلي وكاطع نجيمان وغيرهم كثير . والتأريخ يحفظ ان المرجع محمد باقر الصدر (مؤسس حزب الدعوة الاسلامي)، هو أول من افتى بجواز الانتماء للبعث، وان الخميني عندما كان في النجف كانت لديه حظوة وعلاقة خاصة مع صدام حسين، وأستغل الخميني هذه العلاقة في التوسط لدى صدام لإطلاق سراح الكثير من السجناء بل وإلغاء عقوبة الإعدام عن البعض.

وكان الخميني مثله مثل الصدر يحصل على منح مالية ضخمة ورواتب دائمة من صدام له ولأتباعه، ووصل الأمر الى قيام صدام بفتح إذاعة خاصة للخميني باللغة الفارسية.

ومن يعرف تأريخ العراق السياسي الحديث يعرف جيدا ان حزب البعث لم يكن ليصعد هذا الصعود السريع لولا قربه وعلاقته مع المرجعية الشيعية في النجف خلال النصف الثاني من القرن الماضي، لتصل الى أوجها عندما حرم المرجع الأعلى في ذلك الوقت محسن الحكيم الانتماء للحزب الشيوعي، وأطلق فتواه الشهيرة بان (الشيوعية كفر والحاد)، بسبب خلاف المرجعية مع عبد الكريم قاسم (الذي كان الحزب الشيوعي العراقي يدعمه)، والقطيعة معه بعد أصدراه "قانون الأحوال الشخصية العراقي عام 1959" ، الذي رفضته لأنه جرد رجال الدين من سلطاتهم وجعل الزواج مدنيا يحفظ الحقوق للمرأة والرجل معا.

ثم ان غالبية من انتموا للبعث لاسيما بعد عام 1980 لم يكونوا بإرادتهم، لأن أعظم خطايا وجرائم الأنظمة الشمولية عموما هي سلب إرادة الناس واجبارهم على اعتناق أيديولوجيتهم وإلا فمصيرهم الموت أو المعتقلات والتغييب أو النبذ ومنعه من دخول المدارس والجامعات وحتى العمل أو الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي الذي لا يوجد بديل عنه تحت حكم مثل هذه الأنظمة التي تحرص على مسك كل شيء بيدها لضمان ولاء الناس لها راغبة أو مكره لا فرق بالنسبة لها.

وهذا ما شهده العراق خلال حكم البعث (1968-2003)، فالانتماء لحزب البعث اجباري ويبدأ في المدارس من الثالث المتوسط (الإعدادي) أي من عمر (14-15) عاما، يتم تنظيمك حزبيا ولا يمكنك الرفض لأنك اذا رفضت ستعتبر خائنا وستعرض نفسك وأسرتك واقرباءك حتى الدرجة الثالثة منهم لخطر الاعتقال وربما الموت اذا تزامن معها ان أحدا من أهلك كان منتميا لأي حزب أو حركة سياسية حتى قبل وصول البعث ونظام صدام الى سدة الحكم .

وهو ذاته وأسوأ منه ما تفعله المنظومة الدينية الحاكمة حاليا، التي تجبر الناس على الانخراط في تشكيلاتها وميلشياتها بالترغيب والترهيب، وتقوم بتنظيم الأطفال في المرحة الابتدائية بذريعة وصولهم للتكليف الشرعي بين سن (7 و9 سنوات)، لتجبرهم على أداء بعض الطقوس والشعائر التي تعلمهم وتزرع بهم الولاء الى إيران ومرشدها علي خامنئي وتذهب بعيدا بفتح مراكز تدريب عسكرية للأطفال تحت مسميات (أشبال الإسلام واسود الولاية وفتيان خامنئي).

لم يكن البعث ولا نظام صدام يمتلك شعبية أو قبولا من أغلب العراقيين لاسيما بعد غزوه الكويت عام 1990 وتفجر انتفاضة آذار عام 1991 التي أشعل فتيلها الجيش المنسحب من الكويت عندما وصل الى البصرة ، لتنتشر خلال أيام في غالبية مدن العراق ومحافظاته، وبعدها لم يصبح بين العراقيين كشعب ونظام صدام حسين أي رابط سوى رابط الخوف والقمع والبطش والحديد والنار التي رغمها لم يستطع صدام فرض سلطتها على جنوب البلاد بصورة كاملة لاسيما ليلا.

ولم يبيض وجه صدام و ينسي الناس جرائمه وحروبه الكارثية وسنوات الحصار القاسية، سوى أفعال وجرائم وفساد الجماعات التي حكمت بعده والتي وزعت الموت والدمار والجهل والفقر على كل بيت عراقي من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، وحولت العراق من بلد مستقل ومهاب ومحترم الى كانتونات متصارعة ومتناحرة ومتحاربة ومتقاطعة الولاءات، قراراتها بيد ألد أعداء العراق.