كثيرون لم يفاجئهم قرار الصدر بتقديم استقالات كتلته إلى رئيس مجلس النواب وكذلك غلق جميع المؤسسات التابعة للتيار الصدري، فالسيد له سابقة في إصدار قرارات مفاجئة وغير متوقعة ودون سابق إنذار حتى للمتحالفين معه، عليه تشير البوادر الأولية إلى أن قراره هذا أيضا لن يفضي إلى شيء، ويبقى دون جدوى للعملية السياسية المتأزمة أصلا وإن كان صادما للوضع، ومثيرا للإرباك، ومعززا للتوتر في أروقة الأحزاب والأطراف السياسية المتحالفة معه، أو المناهضة له، على حد سواء، وبات منتهيا منه أنه سيكون خارج أسوار البرلمان في المرحلة القادمة.

إن ما يُقرأ من مواقف الشخصيات البارزة ورؤساء الاحزاب والكتل السياسية عقب قرار الاستقالات، أنهم يثنون على التضحية الكبيرة للسيد الصدر وتياره من أجل "الوطن والشعب"، وأن هذا القرار سيضر بالعملية السياسية وسيحدث فجوة كبيرة، بمعنى أنهم باقون في العملية ومستمرون دون الصدر ونواب كتلته، أي أنهم لن يحذوا حذوه بل سيحاولون الانسجام مع الوضع الجديد مع إدراكهم أن ما قام به الصدر خلق نوعا من الصدمة.

وعلى الطرف الآخر بدأت قوى الإطار التنسيقي تكثيف جهودها لتدارك الوضع ومجاراته وبحث السبل الكفيلة بالتعامل معه على أفضل وجه، كما بدأت التكهنات هنا وهناك حول من هم الذين سيملؤن فراغ مقاعد الكتلة الصدرية في البرلمان فقد بات مؤكدا أن البرلمان لن يتوقف عن العمل والحديث يدور حول كيفية مسايرة الوضع الجديد وإدامته ليس إلا.

ونظرا لردود الأفعال التي أعقبت قبول الاستقالات فإن الأمور تبدو ماضية إلى الأمام دون التيار، والأمر المحتم أن الصدر سيتجه إلى المعارضة خارج قبة البرلمان، وهو بذلك يحقق أهدافا، فمن جهة يبريء ذمته من كل مشكلة ألمت بالبلاد خلال الأشهر الستة الماضية بل وقبلها أيضا ويلقي باللوم على "الفاسدين" كما وصفهم خلال اجتماعه بالنواب المستقيلين، ومن جهة أخرى يطلق العنان لانتقاد الحكومة في شتى الأمور ولا سيما فيما يتعلق بالملفات الحساسة التي عليها شبهات فساد أو تقصير أو تمثل وقودا لإذكاء الاحتجاج والغضب والحنقة، ولكن في الوقت نفسه يترتب على هذا التقلب الكثير من الأضرار بالنسبة لمستقبله السياسي ومكانته كزعيم لتيار شعبي قوي له صيته وأنصاره، فتحولاته الكثيرة وعدم استقراره على رأي يدفع المتعاطفين والمتفقين معه إلى الحذر في دعمه وتشديد أزره رويدا رويدا، كما سيشجعهم على التخوف من كل يقوم به وعدم الانجرار ورءه حفاظا على استقلالهم السياسي وضمانا لعدم وقوعهم في مواقف ليس لهم إرادة فيها.

مواقف الصدر المتناقضة والمتقلبة ليس بالأمر الجديد فللسيد العديد منها منذ أن اعتلى السياسية في العراق الجديد نورد منها على سبيل العد لا الحصر موقفه مع إجراءات الإغلاق وجائحة كورونا وأخذ اللقاح ثم تراجعه عنه، وقبله قراره حل سرايا السلام ثم إعادتها إلى العمل فيما بعد، وقرار عدم مشاركته في الانتخابات الأخيرة ثم تحوله إلى المشاركة، وائتلافه مع التيار المدني الذي ضم الليبراليين والشيوعيين ثم الانفصال عنهم خلال وقت قصير، ناهيك عن اتخاذه قرارات في تحالف "إنقاذ وطن" دون استشارة حلفائه أو أخذ رأيهم، وكل هذه التقلبات لم تفد تياره شيئا بل زادت من نظرات الشك والريبة حول كل خطوة يخطوه أو قرار يتخذه.

لقد قطع الصدر الشك باليقين وحسم أمر عودته إلى البرلمان، ولكن ماهو منتظر من المشهد السياسي غامض ولا أحد يعرف مخرجاته، وحسب الترجيحات سواء أكان ابتعاده سيزيد الوضع انسدادا أم سيأتي بالفرج ويتحقق تشكيل حكومة تأخر ستة اشهر، فإن الأمر البات أن المرحلة القادمة ستكون خالية من الصدر على الصعيدين الحكومي والبرلماني، أما خارجهما فصعب التكهن به.