تُمثل الزيارة التي قام بها مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى فرنسا، إضافة نوعية مهمة لمسيرة علاقات الشراكة القوية بين البلدين الصديقين، حيث عكست مظاهر الإحتفاء التي قوبل بها سموه خلال الزيارة، عمق وخصوصية العلاقات الثنائية، وهو ما حظي باهتمام وسائل الإعلام الفرنسية التي أشارت إلى مظاهر الإستقبال الخاصة التي خٌصصت لصاحب السمو رئيس الدولة خلال زيارته لقصر "فرساي" التاريخي الشهير، حيث كان وجود أكثر من مائة ضيف ينتمون إلى خلفيات متنوعة، السياسة ومجال الأعمال والثقافة والعلوم، ما عكس تنوع قاعدة المصالح المشتركة واتساع دائرة التعاون بين الإمارات وفرنسا.

بالتأكيد فإن العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية تتعمق بمرور السنوات، حيث تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، بعد نحو سبعة أشهر فقط من زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون للإمارات، ما يعكس تواصل الحوار واستمرار التنسيق بين الجانبين، الأمر الذي لعب الدور الأبرز في بناء أرضية مشتركة تسهم بقوة في فهم متبادل للمواقف والسياسات التي يتبناها كل طرف من الطرفين، وهو ما تجلى مؤخراً في تفهم باريس لدوافع موقف دولة الإمارات بشأن الأزمة الأوكرانية رغم تباين مواقف باريس وأبوظبي حيال هذه الأزمة.

دولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ تحرص على تعزيز علاقات التعاون والشراكة مع القوى الكبرى كافة، وهو ما يتطلب تبني سياسات متوازنة تقوم على العقلانية ورشادة القرار، ولهذا فقد حرص سموه على إيضاح موقف بلاده تجاه مسألة زيادة الإنتاج النفطي قبل زيارة باريس، وذلك في إتصال هاتفي مع الرئيس ماكرون، لأن دولة الإمارات لا تمتلك بالفعل هامش مناورة لإتخاذ قرار منفرد برفع إنتاجها النفطي، نظراً لالتزام الدولة بالقرارات التي يتخذها تكتل "أوبك +"، ولذا فإن الإمارات تحرص تماماً على شرح وجهة نظرها حيال هذا الأمر لقادة الدول الغربية التي تسعى لزيادة المعروض في أسواق النفط العالمية من أجل تهدئة الأسواق وخفض الأسعار.

وتؤكد الشواهد أن العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية قد بلغت من النضج ما يسمح بوجود مساحة من الإختلاف في وجهات النظر حيال بعض القضايا والملفات، وهو ماحدث تماماً في العديد من القضايا في الآونة الأخيرة، إذ لم يتوقف الجانبان عند مسألة زيادة إنتاج النفط، وأطلقا شراكة إستراتيجية شاملة في مجال الطاقة، والهدف من هذه الشراكة ـ كما قالت الحكومة الفرنسية ـ هو تحديد المشاريع الإستثمارية المشتركة في فرنسا أو الإمارات أو أي مكان آخر في العالم في مجالات الهيدروجين أو الطاقات المتجددة أو الطاقة النووية، مع إمكانية إنشاء صندوق مشترك لتمويل المشروعات الخضراء.

وقد اثبتت دولة الإمارات أنها شريك موثوق لفرنسا، حيث تدرك الإمارات عمق تأثير الأزمة الأوكرانية والاجراءات التي اتخذتها دول الإتحاد الأوروبي لخفض الإعتماد على الغاز الروسي، ومن ثم تسعى بشتى الطرق لمساندة ودعم الشريك الإستراتيجي الفرنسي في هذه الظروف بعيداً عن الإخلال بالتزاماتها الدولية، وهو ماتجسد في اختيار باريس محطة لأولى زيارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الرسمية للخارج منذ توليه منصبه في مايو الماضي، وهو ما يذكرنا باختيار الرئيس ماكرون للإمارات كأول دولة خارج أوروبا يقوم بزيارتها بعد توليه منصبه، وهو ماينطوي على دلالات رمزية لا يمكن القفز عليها عند محاولة فهم مرتكزات العلاقات الإماراتية الفرنسية، التي قال عنها ماكرون أنها تتعلق بروابط قائمة على قيم إنسانية ومُثل عليا تتجاوز الأزمنة والأمكنة، وقد تجسد كل ذلك في إنشاء مجلس أعمال فرنسي إماراتي خلال سبتمبر الماضي، وتم إطلاقه فعلياً خلال زيارة صاحب السمو رئيس الدولة لفرنسا مؤخراً، ويستهدف تعزيز العلاقات الإقتصادية بين البلدين الصديقين في مجالات الطاقة والنقل والاستثمار، ويضم المجلس الأعمال 18 رئيساً تنفيذياً من البلدين جاء إختيارهم وفقًا لفرص الأعمال واهتمام شركاتهم بتعزيز العلاقات الإقتصادية بين البلدين.

ولاشك أن إهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بتطوير وتعزيز العلاقات مع فرنسا يمثل استمراراً لنهج الإمارات تجاه فرنسا منذ تأسيس الدولة في عهد القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ حيث اتسمت هذه العلاقات بقدر عال من الخصوصية والتقدير والإحترام المتبادل. ورغم أن العلاقات الإماراتية الفرنسية قد شهدت تطوراً نوعياً كبيراً في السنوات الأخيرة، حيث تعمقت على صعيد التعاون العسكرى والثقافي، ولاسيما منذ إنشاء "لوفر أبوظبي" ليكون شاهداً على تقارب البلدين، كونه يمثل محطة مفصلية مهمة في تاريخ هذه العلاقات، وإذا أضفنا إلى ذلك الأثر النوعي الواضح للعلاقات الشخصية الجيدة التي تربط بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لأدركنا مدى عمق واتساع القاعدة التي ترتكز عليها علاقات البلدين الصديقين.

توقيت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى فرنسا يضفي أيضاً على الزيارة بعداً عميقاً للغاية، لأنها تعكس اهتمام الإمارات بدعم ومساندة الدولة الفرنسية في ظل ظروف الحرب الأوكرانية التي دفعت ملف الطاقة إلى صدارة اهتمامات الدول واولوياتها الإستراتيجية.

علاقة الإمارات بفرنسا بات لها خصوصية إستثنائية سواء من حيث تنوع ركائز هذه العلاقات ولاسيما مايتعلق بالبعد الثقافي، أو من حيث قدرة البلدين على بناء تصورات مشتركة حيال القضايا والملفات والموضوعات التي تقع في قلب إهتمام سياستهما الخارجية.