تتوالى ارتفاعات أسعار الفائدة من قبل المركزى الفيدرالي، فى خطوة تبدو غير مدروسة، لكنها ملحة وضرورية لمواجهة اقتصاد كاد أن ينحدر.. للمرة الرابعة يرفع البنك الأمريكى سعر الفائدة بنسبة 0,75%، وسط توقعات باستمرار نفس السياسة المالية من قبل الإدارة الأمريكية، وكما هو معتاد يٌنتظر تحركات مشابهة من قبل البنوك المركزية لدى كبريات الاقتصاديات إقليميا ودوليا.

وربما لم يكن لدى الكبار من سيناريوهات لمواجهة، التراجعات الاقتصادية والمتدفقة جراء الارتفاعات الحادة فى معدلات التضخم، أو حتى النظرة السلبية تجاه معدلات النمو العالمية، لم يكن أمامها سوى الرفع المتتالى لأسعار الفائدة، لتتجه إليه متغاضية عن انعكساته وتداعياته، وهو ما جاء متفقا وتصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول، بقوله إن هناك خطرا محتملا بأن زيادات أسعار الفائدة الأمريكية ستبطئ الاقتصاد كثيرا، لكن الخطر الأكبر هو تضخم متواصل يرفع توقعات الناس بشأن الأسعار، مبديا تخوفاته من احتمالية أن يبطئ المركزى الفيدرالي الاقتصاد بأكثر مما هو ضروري للسيطرة على التضخم مشيرا إلى عدم رغبته فى ذلك، معتبرا الخطأ الأكبر سيكون الفشل في استعادة "استقرار الأسعار".

غير أن التراجع الواضح فى نشاط الاقتصاد العالمي إلى 2,9% خلال العام الجاري، مع غيره من معدلات النمو العالمي والتى تراجعت إلى 3,6%، ولدى المجموعة الأوربية تحديدا إلى 1،1%، لا سيما فى ظل تخوفات حقيقية من موجات تضخم قادمة كفيلة باجتياح أقوى الاقتصادات، واستمرارية حرب مندلعة بين جانبين أحداهما أبرز موردى الغاز والآخر أبرز موردى القمح، ناهيك عن عودة الكورونا ومتحوراتها وسط قلق عام من احتمالية الإتجاه إلى سياسات الغلق الأولى، والأحدث أزمات بعينها تعاني منها الأقاليم سواء تعلقت بفيضانات، حرائق وحتى الزلازل، جميعها عوامل ساهمت فى اعتماد هذه النوعية من السياسات النقدية العنيفة من قبل معظم الدول الآسيوية، والمجموعة الإتحادية أضف أبرز بقاع الشرق الأوسط.

ذلك أن النظم الاقتصادية للدول ممثلة فى البنوك المركزية تحكمها مجموعة من السياسات النقدية وقبيل اعتماد سعر الفائدة، منها مراعاة حجم السيولة المتاحة لديها، مع وضح حجم المخاطر فى الاعتبار، وما ينتج عن تكلفتها إزاء رفع سعر الفائدة، فهل تملك تغطية رفع عائد الإدخار من عائد القروض؟! ليتبقى أيضا هامش لربحيتها أو حتى لتسديد التزاماتها، بالإضافة إلى عوامل أخرى مهمة ومتعلقة بطبيعة النشاط الاقتصادى للدولة، مع بعض المؤشرات الاقتصادية كمعدل التضخم وحجم الديون، أيضا بعض السياسات المالية والمعتاد انتهاجها.

والحقيقة أن معدلات الرفع هذه، من شأنها أيضا خلق حالة التوازن السوقي بين مؤشري العرض والطلب، من خلال حفظ نسب السيولة عند معدلاتها المقبولة، سواء بالتحفيز على الإدخار، أو تقليل الإقبال على الاقتراض، فى محاولة لمواجهة التضخم وإحكام السيطرة على بعض الأسعار لحفظ العملات الوطنية عند قيمها المفروضة!،غير أن التأثير المباشر من قبل معدلات الرفع هذه، تظهر انعكاساته واضحة على المودعين مالكي الودائع وما يترتب عليها من زيادة عوائدهم، والمقترضين أصحاب القروض والذين تزداد أيضا التزاماتهم، وقس على هذا سواء على مستوى معاملات البنوك والأفراد العادية، أو تعاملات البنك المركزى والبنوك التجارية.

وإن كانت معظم الانعكاسات هى منحصرة ما بين مودعين ومقرضين ومؤسسات مالية وبنوك، لكن تظل تخوفات المواطن العادي، وربما من غير المقترضين أو المودعين، كنتيجة بديهية لرفع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وهو ما سيعمل على تحريك فج لأسعار السلع المستوردة، والأقسى رفع أسعار معظم السلع والخدمات، الناتج عن رفع تكاليف الاستثمار، إن لم يُوجه معظم هذه الاستثمارات إلى أنشطة معينة، أيضا زيادة أعباء خدمات الدين، أضف تراجع قيم الأسهم، غياب سلع وخدمات بعينها على خلفية الركود الاقتصادى، مع تراجع بعض الأنشطة والأعمال، فالأطراف كافة تتحرك فى فلك اقتصادى واحد تؤثر وتتأثر، فإن ارتكنت لجانب إيجابى فى ضوء تداعيات التحركات والسياسات الاقتصادية، بالمقابل واجهت جوانب سلبية عدة.

ولعل الأهم فى هذه المرحلة الحذرة، هو إيلاء أهمية خاصة للأسر من محدودى الدخل، إلى جانب انتهاج سياسات مالية دقيقة جدا ومدروسة من شأنها التقليل من حدة هذه الممارسات الاقتصادية، إلى جانب تنظيم المؤتمرات الاقتصادية العالمية من أجل الوقوف على توصيات جادة لتسوية الموقف والتقليل من انعكاساته السلبية، على أن تكون الأولوية للشعوب النامية.