بعد ثلاث وعشرين عامًا من اكتشاف حقول الغاز قبالة سواحل غزة، عاد الحديث مجددا عن اتفاق وشيك مهدت له مصر من خلال تحريك الملف مع الإسرائيليين بغية استغلال حقل مارين الغازي الذي يقع على بعد 30 كم من سواحل غزة، وتشير الاحصائيات أن الحقل يمكنه أن يوفر 1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعب، ومع أن الكمية ليست بتلك الضخامة التي يمكنها أن تجعل غزة مصدرا للطاقة الى أوروبا، الا أنها كفيلة بأن تقدم مداخيل مقدرة بمئتي مليون دولار وهو الامر الذي يسيل لعاب حماس الذي تسيطر على القطاع منذ 2007 كما من شأنه أن يضيف حلقة جديدة من حلقات النزاع بينها وبين السلطة الفلسطينية فيما يخص تقاسم موارد الحقل، وهنا مربط الفرس : فهل سيتفق الطرفان الفلسطينيان على مخرج لتقاسم الغنيمة، وما محل الغزيين من الاعراب في هذا الموضوع ؟

والجدير بالذكر أن تطوير حقل مارين لم يعرف أي جديد منذ أن انسحبت شركة بريتيش غاز والتي تنازلت عن حصتها لشركة رويال داتش شل لتقوم هذه الأخيرة أيضا بالانسحاب سنة 2018 وترك حصتها لصالح صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين الفلسطيني، وهكذا أصبحت حصة الفلسطينيين هي 55 بالمئة فيما تمثل النسبة المتبقية حصة الشركة المشغلة والتي من المحتمل أن تكون الشركة المصرية ايجاس فيما إذا توصلت الأطراف الى اتفاق.
حتى عام 2009، كانت إسرائيل تعتبر حقول الغاز قبالة غزة أمرا ضروريا لأمن الطاقة لأن حقول يام تيثيس كانت على وشك النضوب. وبعد عام 2009، قامت إسرائيل باكتشافات كبيرة للغاز في حقلي تمار وليفياثان. تمار، التي تمتلك حوالي 9 تريليون قدم مكعب من الغاز والذي يوفر الغاز الكافي لتلبية احتياجات إسرائيل للسنوات الخمس والعشرين القادمة، كما يحتوي حقل ليفياثان للغاز على كميات أكبر من الغاز (حوالي 17 تريليون قدم مكعب)، وهكذا، فإن لدى إسرائيل كميات الغاز الخاصة بها، ولا تحتاج إلى أن تطمع في حقول مارين غزة. الا أنها يمكنها أن تواصل منع تطوير حقول الغاز كجزء من حصارها لقطاع غزة، ولكنها وفي نفس الوقت قد تفكر في أاستغلال هذا الملف استغلالا يسمح بفتح باب صراع جديد بين السلطة وحماس : عندما أعلنت السلطة الفلسطينية توقيع مذكّرة تفاهم ما بين الأطراف الشريكة في حقل غاز غزة، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيغاس)، قوبلت باعتراض حماس عن عدم إعلانها لبنود الاتفاق كما أتهم عضوُ المكتب السياسي لحركة «حماس»، موسى أبو مرزوق السلطة باستثناء أبناء غزة من حقهم في الغاز والدخول في مفاوضات مع مصر من دون اشراك الأطراف المعنية في غزة.... هذا يعني أن حماس قد تقف كحجر عترة في وجه الاتفاق، وهو ما سيزيد الخلاف بينها وبين السلطة التي تبحث عن موارد اقتصادية إضافية من دون أن تكون مجبرة على تقاسمها مع حماس لأنها ترى أنها هي الأحق بإدارة شؤون الفلسطينيين من منطلق أنها سلطة وليست حركة أو فصيل متمرد.

حسب الاحصائيات الرسمية الصادرة عن حكومة حماس، يستهلك قطاع غزة من غاز الطهي ما يعادل 1200طن أسبوعياً في فصل الصيف وفي الشتاء قد يزيد على 1700 طن نظرا لاستعماله في التدفئة، ويتم توريدها من مصر لتصل كلفة الأسطوانة الواحدة الى 20 دولارا، وتحتاج العائلات في المتوسط الى 3 أسطوانات شهريا أي ما يعادل 60 دولارا وهو مبلغ باهض بالنسبة للعائلات في غزة التي يعاني أغلبها من الفقر والبطالة، وإذا ما افترضنا أن حقل مارين سيتم استغلاله، فان هذا يعني بأن حاجيات غزة ستكون مؤمنة بالكامل من الغاز الفلسطيني من دون الحاجة الى اللجوء الى استيراد أسطوانات الغاز من مصر، الأمر الذي سيعود بالنفع أساسا على الغزيين، فضلا عن أنه سينهي أزمة الكهرباء التي تغرق القطاع في ظلام دامس لساعات متواصلة بعد أن يتم تحويل توليد الكهرباء الى بالغاز الطبيعي بدلاً من الوقود الصناعي المستخدم حالياً، إضافة الى حصول غزة من نصيبها من الأرباح في مشاريع تنموية تدعم البنية التحتية وهو ما يجعل الغزيين يعولون كثيرا على نجاح الاتفاق وبداية استغلال الحقل أملا في أن تتحسن أحوالهم المعيشية أو على الأقل أن ينعموا بتوفر الكهرباء في عتمة الليل وهذا أضعف الايمان.