"إسرائيل تشعر بقلق متزايد ازاء التقارب الخطير بين روسيا وإيران"، هذا هو ماقاله يائير لابيد رئيس وزراء إسرائيل مؤخراً في تصريح لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، وكان يشير تحديداً إلى المسّيرات الإيرانية التي يستخدمها الجيش الروسي في عملياته العسكرية في أوكرانيا، وتحدث لابيد عن "تقييمات يومية" تجريها بلاده لمراجعة موقفها إزاء تطور الأوضاع في أوكرانيا. هذا التقدير الإسرائيلي لخطورة العامل الإيراني في حرب أوكرانيا، يستحق الإهتمام ليس فقط في الحالة الإسرائيلية ولكن أيضاً في الحالة الخليجية، حيث تتوافر عناصر كثير من دوافع القلق الإسرائيلية في الحالة الثانية، ولاسيما ما يتعلق بتصاعد النفوذ الإيراني واحتمالات نشوء تحالف مصالح إيراني ـ روسي.

ندرك تماماً أن للجانب الإسرائيلي حسابات حيوية متداخلة تتعلق بموقفه تجاه أوكرانيا، ولديه دوافع مهمة لتحسس خطاه بدقة في هذا الشأن، ولكن هذا لا ينفي أن لديه ـ بموازاة ذلك ـ بواعث قلق منطقية تجاه مسألة التدخل الإيراني في الحرب، حيث اعتبر لابيد أن إمداد روسيا بالمسّيرات هو دليل آخر على أن العودة للاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 أمر غير قابل للتطبيق، وهذا أمر حقيقي لأن تغول القدرات العسكرية الإيرانية يزيد النظام في طهران جرأة ويجعل سياسته الخارجية أكثر عدوانية وشراسة؛ فحال النظام الإيراني قبل سنوات ليس هو حاله الآن، وحاله عندما قدم فروض الطاعة والاذعان ضمناً للولايات المتحدة عندما غزت العراق في عام 2003 خشية أن تكمل مهمتها في إيران، ليس هو حاله الآن، وهو يجد قوة كبرى كروسيا، رائدة صناعة المسّيرات، تطلب منه نفس الطائرات لتعزز بها موقفها الصراعي، وذلك بغض النظر عن أي مبررات أو دوافع قد يقول بها البعض مثل قلة تكلفة المسّيرات الإيرانية أو الحاجة لأعداد هائلة منها لا يمكن انتاجها بهذا الكم في التوقيتات اللازمة في مصانع روسية، وليس بدافع تكنولوجي أو لميزة قتالية لهذه المسّيرات، فالمحصلة ببساطة هي أن روسيا تقاتل بسلاح إيراني في أوكرانيان وهذه بحد ذاتها إحدى النتائج التي يريدها الملالي.

لاشك أن إحدى مكاسب إيران المهمة في مسألة تزويد روسيا بالمسّيرات تتمثل في التعرف على حدود القدرات القتالية لهذه المسيّرات في بيئة صراعية معقدة كأوكرانيا، وهذا الأمر يسهم في تطويرها وتعزيز فعاليتها وقدراتها العملياتية، وهناك مكاسب إستراتيجية أخرى، منها العائد أو المقابل الذي يتوقع أن تقدمه روسيا رداً للموقف الإيراني، وبعضه قد يكون على شكل تنازلات في سوريا، التي يفترض أن تحظى باهتمام روسي أقل من السابق في ظل إنشغال الكرملين بملف أوكرانيا وتداعياته المتواصلة، فلن تجد موسكو حليفاً أفضل من طهران لتسليمه عهدتها في سوريا، وهذا الأمر سيعود بالسلب على إسرائيلي بالتأكيد، وبالدرجة ذاتها يعود علينا ـ كعرب ـ لأن هذا يعني ضياع سوريا للأبد، وتعاظم النفوذ الإيراني ليس فقط في سوريا ولكن أيضاً في العراق ولبنان، فضلاً عن امكانية كبيرة لزيادة الدعم الإيراني للحوثيين لتنفيذ بقية مخططهم في اليمن، في ظل تعثر الغرب، وانشغاله بتداعيات حرب أوكرانيا، وأزمة الطاقة التي لن تنجو منها الاقتصادات الغربية سوى بعد معاناة كبيرة.

كل هذه الأمور، أو بالأحرى المكاسب الإستراتيجية، ستنعكس بالتبعية على سلوك إيران الإقليمي سواء في علاقاتها مع جوارها الخليجي أو إسرائيل، حيث تم تحييد الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين نسبياً، عن منطقة نفوذهم التقليدية، سواء بمحض إختيارهم وأخطائهم الإستراتيجية مثلما فعلت واشنطن، أو بفعل تعاظم الضغوط وتبدل الأولويات كما هو حاصل بالنسبة لأوروبا، وبالتالي تصبح لدى إيران فرصة ثمينة، أو هكذا يفكر قادتها، لاستكمال مشروعها الإقليمي، ولاسيما بعد إفلات النظام من الاحتجاجات الشعبية العارمة التي جرت مؤخراً.

السؤال هنا: هل يمكن الاعتقاد بأن تقدم روسيا دعماً لإيران لتعزيز نفوذها الإقليمي كرد أو مقابل لدعم الأخيرة لها في حرب أوكرانيا؟ الحقيقة أن الرد على هذا السؤال لا يعرفه بشكل فعلي سوى عقل الرئيس بوتين، الذي يجد نفسه في موقف استراتيجي معقد للغاية، وسيكون بالتأكيد لكل دور مساند أو داعم له ثمن أو أثمان مقابلة في حال انتهى الموقف لمصلحته، ولكن يمكن التأكيد على أن علاقات الرئيس الروسي القوية مع دول مثل الإمارات والسعودية ستكون كابحاً قوياً يجعلنا نجزم بأن روسيا لن تدعم إيران مستقبلاً ضد دول مجلس التعاون، ليس التزاماً بالشراكة مع هذه الدول فقط ولكن أيضاً مقارنة بحجم المصالح الإستراتيجية المتبادلة عبر ضفتي الخليج العربي، وهي بجردة حساب بسيطة في مصلحة دول مجلس التعاون، لاسيما بعد أن كشفت بعض هذه الدول عن ميل واضح لبناء علاقات متوازنة والبقاء في مربع الحياد بين روسيا والولايات المتحدة، حيث يدرك بوتين بخبرته الاستخباراتية أن كفة الميزان غير المعلنة في واقع الأمر هي لروسيا وليست للغرب في ظل نمط التعامل السلبي الصادر عن الدوائر الأمريكية حيال الشريك السعودي تحديداً. أما بالنسبة لإسرائيل فإن إيران تدرك جيداً أنها لا تستطيع المبادأة بحرب ضدها، ولن توفر طهران من جانبها السبب لتشكل تحالف عسكري غربي للقضاء على نظامها. وبالتالي فإن نشوء مواجهة إسرائيلية ـ إيرانية يبقى مرهوناً بقرار إسرائيلي وليس إيراني، وهذا الأمر يتوقف على حسابات متعددة أهمها ـ برأيي ـ السلوك الاستفزازي الإيراني في سوريا ولبنان.

هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية تتعلق باحتمالية تقديم روسيا دعم تكنولوجي للبرنامج النووي الإيراني، وقناعتي أن إيران لم تعد بحاجة لهذا الدعم بقدر ما تحتاج إلى غطاء ودعم سياسي من دولة كبرى كروسيا لأنشطتها النووية، كما أن روسيا نفسها بكل إرثها الدبلوماسي والاستراتيجي ليست في موضع يسمح لها بنقل خبرات نووية مؤثرة ومفصلية لإيران، فتلاقي المصالح تكتيكياً لا يعني بالضرورة إستمرارها إستراتيجيًا، وروسيا تدرك أنها بتصرف كهذا لن تغضب إسرائيل فقط بل ستغضب دول مجلس التعاون وأطراف أخرى عديدة مثل باكستان وتركيا، وأيضاً أفغانستان، رغم تداعيها، والتي تريد موسكو تبريد جبهتها بأي شكل من الأشكال.