تكرر كثيرا وصف (المنسية) للحرب الاوكرانية الروسية وهو ما كان متوقعا لها بعد أن عبرت شهرها الاول.. وكانت لها طموحات بعيدة لكل طرف منهما لا يمكن ان تتحقق بحرب سريعة خاطفة..

طموح عال عند رئيس يعد نفسه وريثا لدولة عظمى انهارت ويسعى لاعادتها وهو ما لا يخفيه سرا وهو ما لا يُرضي ايضا من تربع على عرش الانفراد بالعالم و تنعم بالقوة التي ذاق حلاوتها ويجني ثمارها يقابله مسعى لاخر مغاير له تماما..

والسبب الرئيس لاستمرارها ودخولها في خانة النسيان هو انه لا يوجد طرف محايد من القوى المؤثرة في العالم يعمل على إخمادها.. بل إنقسم العالم حولها بين مؤيد ومعارض ومن يقف على التل يراقب.. وحتى الصين القريبة الى موسكو فهي وإن لم تشارك في العقوبات على روسيا وأبدت وساطها لحل الازمة لم توافق على العملية العسكرية الروسية ولم تدنها وامتنعت على التصويت على مشروع قرار ادانتها.. كانت روسيا في هذه الحرب بمواجهة ليس مع اوكرانيا فقط بل مع الولايات المتحدة والغرب بمن يمد منهم اوكرانيا بالمساعدات وفرض العقوبات على روسيا.

ما أسهل أن تبدأ الحرب وتجد مبرراتها.. ولكن ما أصعب أن تنهيها أو يتحقق فيها النصر المطلق لطرف حتى وان حقق نصرا نسبيا يتعكز عليه لاقناع خصومه بخوضه الحرب مقابل خسائر باهظة..

يخطىء من يتصورأن الحرب بين طرفين متصارعين فقط بل هناك من يراقبها من بعيد أو قريب أويشعل النار فيها بتقديم الدعم لاحد الطرفين وبالتالي هو المستفيد منها ويخرج الطرفان خاسرين وان حقق احدهما هدفه منها.. الحرب خسائرها كثيرة وفي مقدمتها الضحايا من البشر وتدمير البنية العسكرية والمدنية وكل ما فوق الارض من بناء وخدمات بما في ذلك ابسطها كالكهرباء والماء وهي عصب الحياة وصروح خدمات استغرق بناؤها اجيالا عديدة وثروات طائلة وتراكم خبرة تذهب هباء منثورا بصاروخ لا يساوي قيمة بناية صغيرة واحدة، ناهيك عن معاناة الناس وفي المقدمة الحلقات الاضعف منهم وهم النساء والاطفال والشيوخ..

ان حرب اوكرانيا وروسيا تذكرنا بحرب الفوكلاند بين بريطانيا والارجنين (نيسان 1982) فهي وان كانت اقصر حرب في التاريخ (74 يوما) وانتهت بسرعة بانتصار بريطانيا وعودة الامور الى ما كانت عليه لكن هل انتهت المشكلة أم لا زالت عين الارجنتين عليها وتطالب بها.. وهو الدرس نفسه وان كان هناك تغيير في الظروف الدولية بعد تفرد قطب واحد بزوال القطبية الثنائية وطموح معلن بعودتها لكنه يصطدم بهذا الطرف القوي فيمنعه بمختلف الوسائل بما فيها الحروب، خاصة بعد أن تذوق طعم وقيمة الانفراد بعالم جديد خال من تعدد الاقطاب وتوحد غربي لاحكام سيطرته على العالم في مختلف المجالات والتنسيق في مواجهة روسيا وسياساتها وحلفائها وتوظيف المؤسسات الدولية ضدها..

لهذه الاسباب فانه من المرجح ان الحرب الروسية الاوكرانية قد تطول أكثر وتدخل في خانة النسيان لسنوات اخرى لكي تعزز امريكا والغرب من المنظومات الامنية والعسكرية ومنها توسع حلف الناتو الذي اصبح يضم اكثر من 30 دولة ناهيك عن المؤسسات الاخرى والتطورات التي حصلت في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كما ان استمرار الحرب يعطي الفرصة والقدرة لامريكا على مواجهة الصين وهي المنافس القوي لها الان ومنعها من ان تكون القوة الموازية لها..

الحرب الروسية الاوكرانية.. درس مفيد ايضا للدول وخاصة التي لها مشاكل بينية تمتد الى ازمان سحيقة قابلة للاشتعال في أية لحظة وسبب..