ما ان أبلغت أصدقائي أنني قمت بزيارة زنجبار الواقعة في تنزانيا شرق افريقيا، حتى هلّت الاسئلة: حقا! وكيف وجدتيها؟ هل صحيح انها ساحرة؟!
أذكر أنني في كل مرة أجيب بها على هذا السؤال، آخذ وقتا في التفكير.
نعم، زنجبار فعلا لديها طبيعة ساحرة، ما شالله، أنعم الله عليها بالخضرة الوافرة، تكسوها أشجار النخيل الطويلة التي تنمو باتجاه الشمس وتعتليها ثمرات جوز الهند.. المحيط الهندي يطل بأطياف زراقه من كل صوب..

لكن مهلاً..

بالرغم من أنّ إقامتي في زنجبار كانت قصيرة جدا، إلّا أنني لم أستطع التماس هذا الجمال بكل معانيه.. تاريخ افريقيا وارثها كانا ممزوجان بالطبيعة، وهذا بالنسبة لي كافيا لأضبط حماسي في كل مرة أرى فيها الجمال.

لن أنسى ما وجدته عندما قمت بزيارة جزيرة السجن او التي تسمى The prison island. إنها جزيرة في غاية الجمال لكنها مصهورة بالتاريخ الظالم ضد الأفارقة. لقد حدّثني المرشد السياحي "علي"، أنه في القرن السادس عشر كان البرتغاليون هم من يستعمرون هذه الجزر، وعادة ما كانوا يحضرون الافارقة من وسط افريقيا ويضعوهم في هذه الجزيرة، لاختبارهم، حيث كانوا يجلدون بالسوط وبشدة، من كان يتحمل الألم دون بكاء، كان جديرا بالتجارة.. تجارة العبيد او بحسب اللغة السواحلية (مافا-Maafa) أي الرق.. أمّا من كان يبكي أو يضعف، كان يدعوه ليموت في هذه الجزيرة.

لقد رأيت بعيني الباب الذي كان يأتي ويخرج منه "الأفارقة" إلى هذه الجزيرة. لا يفرق المكان عن أي جنّة خلابة على هذه الأرض، ولكن كان مستحيلا بالنسبة لي أن أراها بنفس المنظور الذي أرى فيه بالي، تايلاند أو حتى المالديف.. بالرغم من الفرح الذي تجده على وجوه السواح الأفارقة الذين يلتقطون الصور في تلك الجزيرة من كل مكان.. لقد جعلني المشهد أصفن لدقائق.. الحمد الله.. دوام الحال من المحال.

استمر علي في الشرح: في القرن السابع عشر، استمر الأمر على ذات المنوال مع قدوم البريطانيين، واستمرت حركة تجارة العبيد.. وكان الطريق هو ذاته طريق الحرير البحري، أي تمر السفن عبر مضيق المحيط الهندي والبحر الأحمر الى أسواق شبه الجزيرة العربية والهند ومنها تكمل طريقها إمّا برا إلى أوروبا او عبر المتوسط. والطريق الآخر، هو من خلال اتصال المحيط الهندي بالأطلسي عبر رأس رجاء الصالح، ثم تكمل السفن طريقها لتصل إلى شبه الجزيرة الإيبيرية أي اسبانيا والبرتغال آنذاك.

بعد ذلك في القرن الثامن عشر، تحولت الجزيرة إلى معقل للحجر الصحي بعد انتشار الكثير من الأوبئة، فانتشرت الملاريا والحمى الصفراء، وبالتالي توسع المكان في الجزيرة ليصبح بمثابة حجر صحي كبير، من يشفى من تلك الأمراض ويعش من الأفارقة يكمل طريقه الى الأسواق العالمية، ومن يمت يدفن في الجزيرة.
في القرن التاسع عشر، استولى العمانيون على الجزيرة بعد طرد البرتغاليين ونقل السلطان العماني آنذاك سلطته من مسقط الى زنجبار، حيث غدت المنطقة هناك عاصمة لسلطنة عمان وزنجبار.

أساساً، يمكن ملاحظة ذلك من الزي التقليدي لسكان زنجبار، إذ ما أن يخرج المسافر من المطار إلى شوارع المدينة حتى يستقبله عدد كبير من سائقي الأجرة بالزي العماني (الدشداشة الطويلة البيضاء العمامة العمانية أو التي تسمى بالكمّة أيضا).

ما أحزنني كثيرا ليست الصور النمطية التي رسمت عن افريقيا بالرغم من صحتها في بعض الأجزاء.. لكني أتحدث عن غياب التنمية.. شعرت ان الكثير من الدول تحاول مساعدة زنجبار وتقدم لها دعاية جميلة للسياحة.. عتبي على الحكومة التي لا تساعد نفسها.. على الأقل لديها فرصة لتحسين البنية التحتية في المدينة القديمة. إنّ مدينة ستون تاون او المدينة الحجرية مصنفة لدي اليونسكو ضمن الإرث العالمي، لكنك عندما تتجول في المدينة، فانت تسير على تربة.. لا يوجد أرصفة أو شوارع مزفتة كما يجب.. معظم الأبنية التي تستحق الزيارة من الداخل مثل الحصن، وقصر العجائب الذي سمي بهذا الاسم لشدة ما كان يحوي من تفاصيل عمرانية رائعة لاسيما في مسائل الري والسقي للحدائق، لقد كانت أشبه بالعجائب. ما يزال القصر موجود إلى يومنا هذا ولكن مع الأسف، في طور الترميم، ولا أدري كم من الوقت سيستغرق بعد!

سألت علي: هل موضوع التنمية يعود الى تداعيات الاستعمار أو الحملات التبشيرية/الدينية التي تسرق خيرات البلاد مقابل ديون وقروض؟ أم أن الموضوع هو قضية فساد حكومات.. فأجابني: الموضوع هو استعمار داخلي، إننا نعيش هنا في افريقيا مستعمرين من قبل حكوماتنا، انتهت حقبة الاستعمار الخارج وبدأت فترة "حكم القلة" الداخلي..

ما تزال البساطة والطبيعية على اعلى مستوياتها، لن انسى أصدقائي في "مزرعة البهارات" الذين اروني حرفيا ماذا يعني مستحضرات تجميلية عضوية organic cosmetic كلها مصنوعة من أوراق الشجر أوحوافها أو ساقها او جذورها: القرقم، القرنفل، الريحان، فاكهة النجمة (Star fruit) وغيرها.

لقد أحببت البلاد جدا، وأحببت شعبها الطيب الذي لم يتوانى عن تعليمي مفردات لغتهم السواحلية بكل فخر ومودة مثل: هاكونا ماتتاتا (لا مشكلة)، سانتي سانا (شكرا)، كاريبو (اهلا وسهلا).


أعتقد أنكم الان قد فهمتم ما قصدته بعنوان مقالي: كاريبو في زنجبار، أي، أهلا وسهلا بكم في زنجبار!