كأيّ مفهومٍ آخر بدا مع الزّمن متطورًا، وآخذًا معنىً مغايرًا عن المعنى المعروف والمألوف عنه فقد أخذت الشّيخوخة مفهومًا مسايرًا للعصر، ولم يعد إطلاقها مقتصرًا على مَن تقدّم به العمر، وتلوّن شعره بالشّيب، وخارتْ قواه. بل ظهر نوع جديد يمكننا اليوم أن نطلق عليه اسم الشّيخوخة، فضلًا عن أنّها أشدّ فتكًا في الرّوح والجسد من شيخوخة العمر، وهي شيخوخة "العقل".
فهل يمكن حقًا أن يُصاب الواحد منّا في سنٍّ ما حتّى قبل الخمسين أو الستّين بالشّيخوخة العقليّة؟
مناط هذا بما يصدر عن النّفس من أفكار، فإذا ما كان الإنسان حاملًا لأفكارٍ محبطة، ولوساوس سلبيّة تجاه نفسه، وللتقاعس حتّى دون أن يساعد نفسه بقدرٍ كبير من التخطّي ومواجهة العقبات، والاتصاف بالمرونة بما يتوافق مع العثرات التي تعترض طريقه في أثناء سيره نحو هدفه أو لعيش الحياة كما يجب محمّلًا بالطموحات، ومسؤولًا بقدرٍ كبير، ورائدًا في أماكن، ومفكرًا في أماكن أخرى. فالوقوف دون إرداف خطوة بخطوة هو باب للشيخوخة العقليّة، والوقوف في مكان واحد أرضه من الجليد تبقى ثابتًا عليها دون حِراك.
الآن لم تعد الشيخوخة العقليّة في القرن الحادي والعشرين محدّدة بفئةٍ دون أخرى، ويُفترض من أنّ حالة السّرعة والتطوّر التي يواكبها العصر تجعل إنسان هذا العصر مواكبًا لها، مبدعًا بما تقدّمه، لكن للأسف الكثير انتحى طريقًا آخر وهو الاعتماد الكليّ على الغير، أو الكسل دون السّعي، ما أورث هذا حالة من الخمول يُصاب بها الجسد، وفي طريقها إلى العقل تجد أنّه يصبح جامدًا خاليًا من أيّ فكرة، مطروحًا كآلة قديمة لا روح فيها، عاجزًا عن أيّ طريقة بها يصل إلى حلّ مشكلة، أو إلى مواجهة مسؤوليّة.
فإذا قلنا إنّ إنسان اليوم أصيب بشيخوخة وعمرة خمسة وعشرون عامًا فلا عجب، والأمر ليس غريبًا، إذ لم نعد نعني بها علامات التقدّم في العمر، بل هي علامات تقدّم في الرّوح، وبرود في الهمّة، وتقاعس عن العمل، والرّغبة في المكوث لأطول مدّةٍ ممكنة دون السّعي والرّكض في باحات هذه الدّنيا.
التعليقات