خلال الثمانينات من القرن الماضي قام النظام العراقي السابق بارتكاب ابشع انواع جرائم الظلم والاضطهاد وعمليات القمع والارهاب ضد الشعب الكوردي، فعانى هذا الشعب المنكوب والمغلوب على امره الامرين جراء الانتهاكات المتواصلة بحقه، حتى وصل الامر الى مرحلة ان النظام العراقي مارس عمليات الابادة الجماعية (الجينوسايد) والتي سميت بحملات (الانفال) وهي اسم سـورة من سـور الـقـرآن الكريم وهي (سورة الانفال) ضد شعب الكوردي ذوي الاكثرية المسلمة في إرتكاب هذه الجريمة، حيث ابيد حوالي 182,000 انسان كوردي، ودمرت قرابة 4,500 قرية، اضافة الى تدمير البنية التحتية لكوردستان، ووصل الامر في مراحل لاحقة الى استخدام الاسلحة الكيمياوية والبايلوجية المحذورة دوليا ضد المواطنين العزل، فكانت مدينة حلبجة التي ضربت بالاسلحة الكيمياوية في 16 اذارعام 1988 ذروة هذه الابادة والتي راحت ضحيتها اكثر من 5,000 انسان بريء.

وسبقت هذه الحملات، عمليات التهجيرالقسري والابادة الجماعية ضد الكورد الفيليين في السبعينيات وبداية الثمانينات القرن الماضي، وراح ضحيتها اكثرمن 10,000 الاف كوردي فيلي، حتى وصلت شراسة وقمع النظام في تموزعام 1983 الى انفال ووأد اكثر من 8,000 بارزاني، كان الذنب الوحيد لهولاء انهم كانوا كوردا، فما دام انهم كورد، اذا فهم – في نظرهم الشوفيني– متهمون.

لقد استخدم النظام العراقي الشوفيني في تنفيذ مراحل حملاته الابادية وسائل الحملة الاساسية في دك القرى، نقاط التجميع، الغازات السامة، فرق الاعدام، المقابر الجماعية، وفق لوائح ومستندات ووثائق دامغة ثبتت اختفاء الرجال والنساء، الشيوخ والاطفال الرضع، اعتقلوا واقتيدوا الى محرقة الموت.

ازاء جميع هذه الانتهاكات الصارخة والعمليات الابادة والتطهيرالعرقي والاثني المتسلسلة التي لحقت بالشعب الكوردي، وقف المجتمع الدولي – مع الاسف الشديد – موقف المتفرج اللا مبالاة لما جرت على هذا الشعب من الماسي والكوارث، سوى اصوات قليلة جدا هنا وهناك والتي لم تتعدى اصابع اليد الواحدة من لدن ذوي الضمائر الحية والتي بدورها لم تكن لها تاثير بالغ في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البشرية.

بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في نيسان عام 2003، وسقوط النظام، وبعد ان اسست المحكمة الجنائية العراقية العليا واقرت بان حملات الانفال -ومن خلال توجيه التهم الى المتهمين والضالعين فيها- جرائم حرب، وجريمة الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وكذلك قرارمجلس الرئاسة العراقية رقم (26) لسنة 2008 واعتراف مجلس النواب العراقي باعتبار ما تعرض له الشعب الكوردي في كوردستان العراق من مذابح وقتل جماعي هو إبادة جماعية بكل المقاييس، حققت جزءا اساسيا من العدالة ازاء التعامل مع هذه الجريمة الشنعاء، الا انه ظلت هناك مسالة في غاية الاهمية بقيت الى يومنا هذا من غيرالحسم والبت فيها، الا وهي مسالة تعويض ذوي ضحايا المؤنفلين، فالدولة العراقية الاتحادية وحدها تتحمل تعويض الضحايا والمتضررين من هذه الجريمة النكراء بصورة منصفة، كما تحملت الديون التي كانت بذمة دولة العراق في عهد النظام السابق والتعويضات التي دفعت لدولة الكويت بسبب غزوها في شهراب عام 1990.

اليوم وحين نرى ان بعض اعضاء مجلس النواب العراقي ومن بينهم - مع الاسف الشديد- نواب كورد يريدون التنكيل والمساس بحقوق الشعب الكوردي من خلال اجراء تغييرات على مشروع قانون الموازنة الاتحادية وبالاخص المادتين 13 و14 والتي تمس مباشرة بالحقوق والمستحقات المالية المشروعة لإقليم كوردستان، عليهم ان يراجعوا خطواطهم ويسألوا انفسهم لماذا لا يطالبون الحكومة الاتحادية بتخصيص ميزانية كتعويض لذوي ضحايا المؤنفلين، أو ليس ذوي الضحايا اولى بأي شخص اخر؟!!

على النواب الكورد في البرلمان العراقي -من غير تمييز- الضغط على الحكومة الاتحادية ومجلس النواب العراقي في تخصيص ميزانية خاصة من موازنة الدولة كتعويض لذوي ضحايا المؤنفلين وهو حقهم الشرعي والقانوني في هذا الخصوص، وهي ايضا الخطوة الهامة التي تؤكد على التغييرالحقيقي لمنهجية فلسفة الحكم في العراق الجديد، والتي بدورها تعزز انتماء هولاء -ذوي الضحايا- لبلدهم الذي يدافع عنهم وتؤازرهم في محنهم، في زمن اصبح الانتماء معدوما،ان لم نقل لا وجود له.