شهدت غزة يوم الثلاثاء فعالية حروف عبر الأمواج البحر التي نظمتها جمعية واعد للأسرى والمحررين والتي استعمل فيها أبناء الأسرى رسائل ورقية مكتوبة بخط اليد وضعت في زجاجات بلاستيكية ثم ألقيت في البحر، واحتوت تلك الرسائل على مطالب بالسماح لهم من زيارة ذويهم في سجون الاحتلال، يأتي هذا في الوقت الذي يعرف فيه ملف تبادل الأسرى شللا تاما وصل الى حد تلويح قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار بتعليق ملف التبادل نهائيا والى الأبد بسبب ما وصفه بالتعنت الإسرائيلي ورفض المبادرة التي أطلقتها حماس وأعطتها إطارًا عامًّا إنسانيًّا على حد تعبيرها.

خلال الزيارة التي قام بها وفد من حركة حماس والجهاد الإسلامي الى القاهرة مطلع الأسبوع ثم الحديث عن خطوات مصرية نحو دعم وتتبيث الهدنة بين الفصائل في غزة والاحتلال تحت مسمى "استقرار طويل الأمد"، تهدف من خلالها القاهرة الى الحصول على ضمانات من الفصائل بالالتزام بالتهدئة مع إسرائيل مقابل دفع مشاريع اقتصادية وتحسين المعيشة في القطاع، وفي الوقت الذي جاء فيه بيان حركة الجهاد الإسلامي حول تلك الزيارة مقتضبا حيث أشار الى أن هدف تواجد أمينها العام زياد النخالة في القاهرة هو لتدارس "قضايا فلسطينية" جاء بيان حماس ليشير الى ان زيارة وفده بدعوة مصرية جاء لبحث عدد من القضايا السياسية والميدانية دون الخوض في المزيد من التفاصيل، الا أن المعلومات تشير الى صفقة تبطخ على نار هادئة قد تشمل اتفاقا ضمنيا على خطوات فعلية للبدأ في استغلال حقل مارين الغازي والذي ترى فيه حماس حلا لمشاكل نقص الطاقة، بالموازاة ترى دولة الاحتلال في ذلك فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد وادراج ملف الاسرى ضمن الملفات التي ينبغي مناقشتها للوصول الى تحقيق تقدم في قضية الجنود الأسرى والتي من غير المستبعد أن يجنح لها نتنياهو بتنازلات تشفي غليل الشارع الإسرائيلي الذي يتهمه بالفشل الذريع على جميع الأصعدة بما فيها التهديد الذي يأتي من غزة والمخاطرة بالجنود المحتجزين منذ 9 سنوات، وهو فشل يتحمله نتنياهو على اعتبار أن عملية الأسر قد تمت في عهد حكومته السابقة والى غاية اليوم تبدوا الفصائل الفلسطينية غير مكترثة بعامل الوقت بل ان السنوار ذهب بعيدا عندما هدد بإلغاء الصفقة الى الأبد وهو ما سيترتب عنه المزيد من سهام النقد والاتهام التي ستتوجه من المعارضة الى نتنياهو.

أمام ضغط المعارضة والجمعيات وعائلات الجنود الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة يجد نتنياهو نفسه مضطرا لتقديم تنازلات ولتحقيق تقدم في ملف كلما تقدم خطوة عاد بخطوتين الى الوراء، و أمام حجم المعاناة التي يتكبدها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال يجد السنوار ذو الشخصية العنيدة نفسه أمام حقيقة مفادها، أن عامل الزمن يعمل في صالح الإسرائيليين لا في صالح الفلسطينيين وأن التهديد بغلق ملف الأسرى نهائيا سيزيد بشعورهم بالإحباط ويرهن مصيرهم بيد الاحتلال الى أجل غير مسمى، فالسنوار الذي جرب سجون الاحتلال يدرك مدى تعلق المئات من المعتقلين ببصيص الأمل في أن تتقدم الصفقة وتشمل أكبر عدد منهم... وأيا كانت تبريرات الاحتلال أو مواقف حماس فان الخاسر الأكبر هم الأسرى من كلا الجانبين، وحتى وان كانت عائلات الأسرى الفلسطينيين تربط معاناة ذويهم بالصمود وتصفها بالتضحية الا أنها تخفي بداخلها قلقا من تعثر المفاوضات.

لنقل الحقيقة فانه لا فائدة للسنوار أو غيره من قيادات حماس من تعطيل الصفقة ولا فائدة له من استمرار معاناة الأسرى، ولكن يكفي فقط النظر الى الصفقة السابقة أي صفقة "جلعاد شاليط" والتي لم يلتزم فيها الاحتلال الاسرائيلي بشروط الصفقة وأعاد اعتقال الأسرى الفلسطينيين المشمولين فيها لنفهم بأن الرجل على حق عندما يركز على أن لا تكون الصفقة الجديدة تكرارا للخطأ الذي وقعت فيه الحركة في الصفقة السابقة ولهذا فان التهديد بغلق الملف والمناورة من خلال تقديم موعد زمني محدد يندرج ضمن تكتيك تحاول من خلاله حماس ان تضع الكرة في ملعب الاحتلال وأن تحمله مصير الفشل أو ان تستدرجه الى حرق أوراقه الأخيرة و تقديم تنازلات من شأنها أن تحرز تقدمها في المفاوضات الشاقة التي تعاقبت عليها 4 حكومات إسرائيلية منها 3 تحت حكم نتنياهو دون احراز أي نتيجة.

لا شك في أن مصر التي توصلت لاحتواء التصعيد الأخير الذي أعقب استشهاد الأسير خضر عدنان وحاولت في اعقابه من اجل تحريك صفقة تبادل الأسرى ستضع كل ثقلها الذي من شأنه أن يحرك المياه الراكدة في ملفات عديدة تخص غزة بما فيها ملف الأسرى، لتضمن بذلك المزيد من التهدئة على حدودها، ولأن الشراكة الاستراتيجية والأمنية التي تجمعها مع تل أبيب تحتاج أكثر من أي وقت مضى لأن تتعزز خاصة بعد الحدث الأمني الأخير على معبر العوجة، فان مصر ستلجأ الى حث القادة في غزة الى ضرورة الوصول الى أرضية مشتركة تفتح الباب لعملية تفاوض جديدة تسمح لها بالوصول الى هدنة طويلة المدى تشمل ادراج ملف الأسرى ضمن ملف اعمار غزة و التسهيلات الخاصة بالمعابر الحدودية ولكن فان نجاح هذه الخطوة أو فشلها يعتمد على مدى جدية الاحتلال ومدى قابليته لشروط حماس في صفقة التبادل وان كان الطرفان يختلفان في أمور عديدة اعاقت الصفقة الى حد الآن الى أن القاسم المشترك بينهما هو انهاء معاناة عائلات الأسرى وتحقيق "نصر سياسي" يراه نتنياهو حلا لوقف تراجع شعبيته وضغط أسرى عائلات الجنود ومن يقف معهم من المعارضة وتراه الفصائل فرصة لتحقيق "نصر معنوي" يجعلها تحتفل بشعارات هزيمة العدو واجباره على الخضوع للمقاومة.