سأعود بكم الى ما جرى في الموصل في عام 2014 وما تعلمته واطلعت عليه من تلك التجربة القاسية.
كان من الصعب للغاية أن أُصدِّق ما قاله ابن أخي، "يا عم، الموصل سقطت بيد الدولة الإسلامية". قبل شهرين من ذلك التاريخ، كنت في الموصل ورأيت بنفسي العدد الكبير من نقاط التفتيش والمركبات العسكرية والجنود المتمركزين في المدينة. لم تكن عيناي قادرتين على أن تنكرا الواقع الذي كنت شاهدا عليه.

وفي يونيو 2014، عاشت مدينة الموصل والعراق أحداثًا مثيرة ومعقدة حين استولى تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة وأسس خلافته. كان هذا الاستيلاء انتصارًا كبيرا للتنظيم، والذي كان فعليا يسيطر على عدة مناطق في البلاد. ومع ذلك، كانت الصراعات في العراق أكبر بكثير من مجرد الاستيلاء على الموصل. فقد واجهت البلاد توترات سياسية وإثنية ودينية كبيرة شاركت فيها معظم الكتل والشخصيات السياسية وسحبت معها شريحة عريضة من المجتمع العراقي الى قاع الخلافات الفئوية، استغلتها الدولة الإسلامية لزيادة نفوذها ونجحت.

كثيرون من سكان الموصل وقعوا في وضع يائس تحت حكم التنظيم. فقد مارس تنظيم الدولة الإسلامية سياسات قمعية وحشية أثرت على جميع شرائح المجتمع، ولم تكن هناك فرص كبيرة لفهم الوضع بدقة. نجحتُ شخصيا مع مجموعة قليلة من الأشخاص في التواصل مع بعض السكان الموجودين في الموصل، لكن مبدأ "إما أن تكونوا معنا أو ضدنا" كان حاضرًا دائمًا، وكان هؤلاء الأشخاص يخاطرون بحياتهم من أجل تلك الاتصالات، لإيصال صورة حقيقة عن ما كان يجري في المدينة.

تغطية إعلامية
قدّمت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية تغطية شاملة لأعمال الإرهاب الوحشية التي نفذتها الدولة الإسلامية في العراق. تم اعتبار تنظيم الدولة الإسلامية واحدة من أسوأ منظمات الإرهاب على الإطلاق، بعد سيطرته على العديد من المناطق في العراق وسوريا وإقامة الحدود على الناس. نفذ التنظيم مذابح ضد المدنيين، وقام بتهجير قسري، ونفّذ إعدامات بطريقة بشعة، وارتكب جرائم اعتداء جنسي. وصدم العالم بتدمير المواقع الثقافية والتاريخية. تم صياغة هذه الصورة من قبل وسائل الإعلام، وكانت تعتمد إلى حد كبير على المعلومات التي المسربة والمختارة من قبل التنظيم.

التلاعب
السؤال الذي يجب طرحه: هل تتعارض هذه الصورة البشعة مع مصالحهم؟
بالعكس! من الضروري أن ندرك أن لدى تنظيم الدولة الإسلامية أجندة مدروسة وراء أفعاله. استخدموا الدعاية والاستراتيجيات لتعزيز أيديولوجيتهم، حيث كان خلق الخوف أداة أساسية. مثال على ذلك كان محاولتهم للتلاعب بصورة وسائل الإعلام، وقد نجحوا في ذلك.
كانت إحدى تكتيكاتهم هي إنتاج مقاطع فيديو وحشية بطريقة احترافية تظهر انتهاكات وحشية، ثم نشرها. كانت هذه المقاطع مخصصة لخلق صدمة ورعب بين السكان، ولخلق انطباع بأن التنظيم لا يمكن هزيمته. انتشرت هذه المقاطع بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصحف كالنار في الهشيم.
نشر تنظيم الدولة الإسلامية عمداً هذه المقاطع وخصص لها مجالا كبيرا عبر قنواتهم الاعلامية ليظهروا كمنظمة لا تقهر، وكان العديد من وسائل الإعلام يسقطون في فخ استراتيجيتهم دون وضعها في سياق أوسع

ساحة الحرب
في الحرب لا توجد حالة "رابح – رابح"؛ الجميع خاسرون. الاختلاف يكمن فقط في أن الفائزين لديهم فرصة لتجنب الاعتراف بما فقدوه. الذين يعتقدون أن تنظيم الدولة الإسلامية هو الخاسر الوحيد في العراق وسوريا، مخطئون. هناك وثائق تثبت أن الولايات المتحدة، من خلال صور ومقاطع فيديو، قدمت أسلحة لتنظيم الدولة الإسلامية أكثر من أربعين مرة. الولايات المتحدة اعترفت بهذا مرة واحدة فقط في سوريا. محلياً، تم تفسير ذلك من خلال نظريات المؤامرة، بينما تم تفسيره دولياً على أنه أخطاء في العمليات. لقد شرحت هذا الأمر في روايتي "الرقصة الداكنة"، التي تمنح العالم بأكمله الفرصة لرؤية الحقيقة لربما من منظور مختلف.

شاهد عيان
لم يكن من السهل بالنسبة لي أن أترك حياتي الهادئة والمستقرة في النرويج الآمنة وأسافر إلى العراق بعد أن استولت الدولة الإسلامية بشكل كامل على مدينتي الموصل وأجبرت الناس، بمن فيهم عائلتي، على الفرار منها.
كنت في العراق عندما تم تهجير الإيزيديين والمسيحيين والشبك. كانت لدي محادثات مع الإيزيديين الذين هربوا إلى كردستان، وأدركت أن الدولة الإسلامية اضطرتهم ليكونوا ناشرين لرسائل مروعة لبقية العالم. كانت هذه الرسائل تهدف إلى نشر الخوف وكانت واحدة من أهم أدوات التنظيم.
من خلال التلاعب بوسائل الإعلام، حاولت الدولة الإسلامية السيطرة على الصورة التي يتم تقديمها للعالم، في الوقت نفسه خلقوا جوًا من الخوف وعدم اليقين حول أنفسهم. أمر جعل من الصعوبة على الناس التفرقة بين الحقيقة وبين دعايتهم، مما سمح لهم بالتلاعب بالرأي العام لصالحهم.

الرواية
في روايتي "الرقصة الداكنة" والمنشورة لحد الآن باللغة النرويجية، قدمت للعالم رؤية لتفكير وأساليب الجماعات المتطرفة، والتي لا تقتصر فقط على الإرهاب. كشفت عن العديد من الجوانب الخفية للحرب التي لم تُناقش من قبل. كان المجتمع الدولي معصوب العينين بسبب هيمنة القوى العظمى، مما أدى إلى أننا رأينا هذه الجماعات على أنها مجرد منظمات بربرية. وهذا أدى إلى اتخاذ تدابير خاطئة حتى من جانب الدول التي قامت بمحاربتهم.
أؤكد أنني لا أستهين بالمأساة التي ألمت بالإيزيديين وغيرهم، والتي يمكن مقارنتها بالهولوكوست وربما أكثر بشاعة. هدفي هو التأكيد على أهمية دعم عائلات الضحايا، سواء كانوا ايزيديين أو مسيحيين أو مسلمين. يجب أن نوضح انتهاكات الدولة الإسلامية بحق الجميع ونطالب بالعدالة الدولية لمعاناتهم و لضمان أن هذه الجرائم لن تبقى مجرد أحرف سوداء على صفحات التاريخ، في الوقت نفسه نؤكد بوضوح أن ما فعلته الدولة الإسلامية كان تعبيرًا عن جبنهم، والتركيز على الجبن والضعف أمر أساسي في هذا العمل. يجب ألا ننسى أن هناك آلاف من الرجال والنساء تم تصفيتهم في الموصل، وكثير من هذه العوائل لم تستلم حتى هذا اليوم جثامين أبنائهم، من أقليات أخرى كالشبك والتركمان.

تحذير، لا تطلقوا النار على أقدامكم
تم توجيه دعوات من أحزاب ومنظمات اوربية لعدة منظمات عالمية بالإضافة الى ممثلين عن الايزيديين من العراق لإعلان أحداث سنجار ومنطقة الموصل كـ"إبادة جماعية". كنت حاضرًا في البرلمان لتلبية دعوة من الحزب الاشتراكي اليساري لهذا الهدف ولاحظت أن تركيز معظم المشتركين وبدون استثناء كان على وحشية الدولة الإسلامية ضد الإيزيديين، وهو أمر لا يمكن إنكاره. المشكلة تكمن في أنه إذا أعلن المجتمع الدولي ما حدث كإبادة جماعية استنادًا إلى وحشيتهم وقسوتهم وليس استنادًا إلى جبنهم في اختيار فئات ضعيفة في المجتمع، سيحتفل العالم في الثالث من أغسطس بالدموع، في حين ستحتفل الجماعات المتطرفة بهذا التاريخ بالفخر والاعتزاز. هذا ليس مفاجئًا، حيث أنهم قد حققوا هدفهم في جعل العالم يقع في فخهم. اعتراف العالم بإبادة الإيزيديين سيسجل نصرا لهم طالما كان التركيز على وحشيتهم وأعمالهم غير الانسانية، هم يسمون هذا السلوك واجبًا مقدسًا، وسيعلقون هذا الإعلان كنوط شجاعة على صدورهم، على عكس ذلك سيشعرون بالخزي والعار لو تم اعلان الإبادة الجماعية بناء على جبنهم ومن خلال اختيارهم توجيه ضرباتهم الى الأقليات والفئات الصغيرة في المجتمع.