إن امتلاك أي كان من الاشخاص لسلطة لا يجب أن يذهب التفكير فيها إلى الشخص ذاته وبعينه، وإنما للمركز الذي يشغله في مؤسسات الدولة، فهو مركز يشغله في المجتمع ليكون في خدمة المجتمع وذلك حتى تكون السلطة الحقيقية ملكا للمجتمع، ويكون فيه المسؤول أو صاحب المركز والامتياز بمثابة الراعي الأول؛ الذي يمثّل ويمارس السلطة التي منحته إياها الدولة في إطار من المرجعية القانونية، وقبل أن يخدم غيره يخدم المجتمع وأفراده ومصالح المواطنين، ويكافئ انجازاتهم لا أن يفكر في ذاته ومصلحته أولا، ويتباهى بنفاق ويتوارى خلف المظاهر الخداعة، ويغدق على من يواليه، ويسفق لفشله وانحرافه.

إننا نقرأ ونلاحظ اليوم هذا التنافر وعدم الانسجام بين المجالس المنتخبة، فالسلطة السياسية اليوم صارت متفرقة إلى حد خطير، وفي أيدي نواب الأحزاب السياسية ـــ المنتقلين من حزب إلى آخر كلما دعت الحاجة لذلك ــــ وبين أصحاب المصالح الضيقة داخل النقابات والجمعيات المساندة التي تعجز عن الإتيان بالأفكار التي تخدم التنمية، ولقد تجمعت هذه السلطة بسرعة وانتشرت رائحة عفونتها واستنشقها المواطن.

لو طُرح السؤال في هذه الحالة: من يستفيد من المنصب والمركز فبلا شك هو كل من يبحث عن امتيازات مادية ومعنوية، ولا يهمه أمر نمو الوحدة الوطنية من قريب ولا من بعيد، ولا يهمه أمن البلد الاقتصادي والغذائي، أو استقراره السياسي، فهذا الصنف يملك المزايدة بالوطن والوطنية إلى حين انتهاء مدة عهدته ليعود ناقما على النظام الذي أكل منه وعاث فيه فسادا، وسيعارض بحضوره حتى مناسبة وطنية بل سيكفر باليوم الذي يصادفها.

فهؤلاء إذا انقلبوا إلى أهوائهم، وعادوا إلى المعتقد الذي جعلهم لا يحظرون يوما تطوعيا، يوم كانوا مواطنين عاديين، ولم يصرفوا فلسا واحدا من جيبوهم خدمة للعمل الخيري التطوعي الثقافي أو الرياضي، فهؤلاء عندما يعودون إلى مكاتبهم يعتقدون بأنهم هم السلطة المطلقة، ويفعلون ما يشاؤون ولو بقت الأوضاع في الوطن على حالها، حتى إذا ما خرجوا من السلطة والمسؤولية كفروا بالدولة وبالوطن، وصاروا معارضة كما فعل جل المنتفعين وشعارهم المنتقد للسلطة: pouvoir assassin.

لكن من عدل الله لا شيء يبقى في الظل.