يصادف السادس عشر من سبتمبر 2023 أي منتصف الشهر الحالي ذكرى تصاعد الثورة الوطنية الإيرانية إثر مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني (جينا أميني) والتي لحقها العشرات من فتيات ونساء إيران وأطفالها، ومن المؤكد أن الشعب الإيراني وقواه الوطنية وكافة قوى التحرر في العالم (الحر) ستحيي هذه الذكرى وسنحييها معهم؛ وقد كانت النظرة لهذه الثورة ولا تزال أنها ثورة إقليمية تتخطى في مفاهيمها ونتائجها عنصري الزمان والمكان، واليوم تتعاظم هذه النظرة وهذه المكانة ويعول عليها الكثير من الآمال داخل وخارج إيران.
للانتفاضة الوطنية الإيرانية التي تحتمل قول انتفاضة وقول ثورة معا خصوم وحلفاء شأنها شأن أي حراك وحدث سياسي وشعبي كبير كالذي يجري في إيران في الآونة الأخيرة، ويبدو أن خصوم هذه الثورة لا يروق لهم نجاحها لذلك قد أعدوا لها ما استطاعوا لإخمادها.. فهل يفلحون في ذلك خاصة أنها ثورة مشروعة تحظى بدعم عالمي نوعي كبير.. فهل يفلحوا وهل سيستسلم الشعب الإيراني للمؤامرات المحاكة ضد ثورته؟
مسار الثورة الإيرانية؛ متى وإلى أين
الانتفاضة الوطنية الإيرانية ليست وليدة اليوم أو الأمس القريبة بل هي امتداد لقيم الثورة الدستورية ورد على كل الذين أجرموا بحق الثورة الدستورية وحرفوها عن مسارها وأهدافها وقيمها وقد كانت حقبة دكتاتورية الشاهنشاهية المخلوعة وحقبة الملالي القائمة جريمتين تاريختين بحق الشعب الإيراني وثورته الدستورية، وقد كانت مسيرة الدكتور مصدق رحمه الله امتدادا وتواصلا مخلصا من ومع الثورة الدستورية وروحها لكن قوى الشر تآمرت عليه، ومات مصدق نظيف اليدين نقياً مطهراً وبقي خالداً بسيرته ومساره الذي أفرز ثورة فبراير 1979 الوطنية التي تآمروا عليها أيضاً وحرفوا مسارها بتمكين الملالي من سلبها وبناء سلطتهم القمعية القائمة التي ينتفض عليها الشعب اليوم متمماً المسيرة جيلا من بعد جيل وتضحيات عظيمة متواصلة ومتلاحقة بما سبقها من تضحيات جسام في مسيرة لم تكن إلا لصيانة الكرامة والقيم وحق الأرض والإنسان القائم عليها.
المتأمل في مسار الثورة الإيرانية يجدها مراحل تكمل بعضها البعض فراية الثورة الدستورية التي حملها الدستوريون حملها الزعيم مصدق، ثم حملتها القوى الوطنية في فبراير 1979 ثم تحملها المقاومة الإيرانية اليوم على نفس المسار والقيم وبرؤية أوسع وأشمل؛ فقد بات المصير مصير دولةٍ ومنطقةٍ نظراً لما خلفه نهج الحقبتين الدكتاتوريتين المخلوعة والقائمة من خراب ألم بإيران وامتدت آثاره وتبعاته إلى شعوب ودول المنطقة.
أما إلى أين يتجه مسير هذه الثورة وهذا هو الأهم لثورة لها جذورها وامتدادتها التاريخية المتواصلة؛ تتجه هذه الثورة اليوم على الرغم من حجم المؤامرات المحيطة بها والمحاكة لها بأدبيات ملفتة للنظر ومثيرة للإهتمام نحو صناعة النصر وبناء مستقبل يليق بحجم التضحيات والطموحات المشروعة؛ نعم أدبياتها ملفتة للنظر وتدعو إلى التفكير بها مليا وكيف وصلت إلى هذا المستوى من التنسيق والتوافق فكل الشعارات المرفوعة في أغلب الانتفاضات السابقة والانتفاضة الحالية هي نفس الشعارات وبنفس الأسلوب والروحية والأداء، وكل شهيد ينال الشهادة في هذه الثورة يجد شعبا بأكمله يقيم ويؤدي العزاء، ولا يمكن أن يكون كل ذلك دون قيادة وتوجيه وحراك واسع على مستوى كافة مناطق الدولة، وقد كان لوحدات المقاومة العاملة داخل إيران الدور والأثر الكبير خاصة في نزع عنصر الخوف الذي ترسخ على مدار عقود من صدور الشعب شيبة وشباباً نساءاً ورجالاً وأطفالاً فقد شارك الأطفال في هذه الثورة وتعرضوا للقتل والتسميم، وشاركت المرأة في هذه الثورة مشاركة كبيرة قيادة وتوجيهاً وتعرضت للإغتصاب والتعذيب في الشوارع والسجون والقتل لكي ترجع عن مسارها الثوري ولم ترجع وليس ذلك فحسب بل وبحسب قول إحداهن إننا لم نخرج حتى نرجع ويطأون على رؤوس شبابنا ويُخضعونا لنهج الذل والهوان، وضمن مسار هذه الثورة المتقدة المتواصلة المستقيمة خفتت كل المطالبات بسبل الحياة من نظام الملالي المتسلط القائم إلا من أجل إدانته وفضح فشله وممارساته القمعية الدموية.
خصوم الانتفاضة الوطنية الإيرانية وحلفاؤها
حلفاء الثورة الوطنية الإيرانية هم أهلها وأولياء الدم المقاومة الإيرانية والقوى الوطنية الإيرانية وكل فئات ومكونات الشعب الإيراني؛ حلفاء الثورة الوطنية الإيرانية هم شعوب منطقة الشرق الأوسط المتضررين أمثالهم الذين فقدوا أحبتهم أيضاً وأوطانهم وسرقوا منهم مستقبلهم واستخفوا بعقولهم فاستعبدوهم وصنعوا منهم مجرمين يبطشون بهم وينشرون الموت والدمار في ربوع بلدانهم، حلفاء الثورة الوطنية الإيرانية هم أحرار العالم وأنصار مبدأ الحق والعدل أينما كان، وأما الحليف الأساسي للثورة الوطنية الإيرانية فهو الحق.. الحق يعلو دائما إن اتبعناه ولا يعلو عليه شيئ.
أما خصوم الثورة الوطنية الإيرانية ناهيك عن نظام فاشية ولاية الفقيه الحاكمة وقوى الاستعمار المساندة له فهي بالدرجة الأولى الكائنات الطفيلية والإنتهازية والمتسلقة ومجرمو الأمس المتجردون من كل حياء سجنوا وعذبوا وأعدموا وقتلوا وشردوا وبغوا وسلبوا ونهبوا واليوم ينادون بحقوق الشعب الإيراني وبدماء الشهداء وحقوق السجناء بل ويريدون تفويضاً من السجناء السياسيين بالحديث باسمهم والمطالبة بحقوقهم الوطنية.. وتلك هي الطامة الكبرى جلادو الأمس وصيادي الفرص يتسلقون برداء الوطنية والثورة لتتزايد وتستمر معاناة الشعب الإيراني المنكوب وشعوب المنطقة التي لا تقل نكبة عنه، وهؤلاء هم أخطر الخصوم ذلك لأنهم لا قيم لهم، وكذلك هم أفضل البيادق والأدوات بيد القوى الاستعمارية، ولن يُفلحوا في سعيهم ولن ينالوا إلا خزياً جزاء أعمالهم ولا يوجد من يستمع ويصغي لهم سوى لفيف طفيلي نفعي حولهم.
وهنا نخلص بالقول أن هذه الثورة بانتفاضاتها المتوالية واحدة تلو الأخرى هي امتداد لقيم الثورة الدستورية وثورة شباط فبراير 1979 وهي ثورة كافة فئات ومكونات الشعب الإيراني التي تنادي بإسقاط نظام ولاية الفقيه وإنهاء حقب الدكتاتورية التي توالت بالبغي والظلم على الشعب الإيراني.. ثورة حقٍ لها مطالب وأهداف، ولها من يلاحق مطالبها وأهدافها يقودها أولياء الدم وأصحاب مظلومية عميقة لم يعد بالإمكان السكوت عليها، ولم يعد لـ لغة الإحتيال قدرة على احتواء الشعب وبالتالي فإن النصر حتميٌ وقاب قوسين أو أدنى، ولا نملك في ذكرى انتفاضة سبتمبر الوطنية الإيرانية إلا أن نحييها ونحيي تضحياتها ونحيي شهدائها ونحيي المكلومين على ما ألم بهم ونقول لهم صبراً.. كصبر آل ياسر والنصر قريب.
التعليقات