مارست الحركة الكردية في سوريا السياسة دون قواعد ثابتة وعلم ومعرفة وخبرة، ربما من الخطأ تسميتها بالسياسة والأجدر القول "الحزبية"، لأنها احد اهم الاسباب الرئيسية لعدم تحقيق اية انتصارات سياسية، وعلى الارجح الصراع الداخلي كان من احد الاسباب التي تعيق مسيرة النضال، ربما ترسخت في اذهانهم مقولة شهيرة كانت تتردد دائما في عسكرية النظام السوري "الاقدم منك يوماً اعلى منك دوماً" وكأنها سباق الاعمار، لم يكن هناك معيار للقيادة كما هو متعارف عليه، فالقيادة لمن يمتلك الخبرة اكثر وله فكر متجدد وناضل وضحى وقابل للتضحية اكثر، وليس لمن جلس على الكرسي بفارق الزمن، الامر ذاته ادى إلى خلق منافسة وهمية داخلية فيما بينهم وجعلتهم اعداء بعضهم البعض، انشقاقات واصطفافات جانبية مشبوهة دفعتهم للخلاف والاسراع "من يسبق الاخر في الطريق"، وَهم في الحقيقة خارج الطريق، العدائية كانت اداة استخدمها اعدائهم للنيل منهم بسهولة، عدو الكرد يمارس السياسة باحترافية، وعن علم ودراسة وبحث وتخطيط، يعلم كيف يشتتهم ويفرق بينهم بسهولة مطلقة، وبالتالي ينتصر عليهم متى ما اراد، على سبيل المثال لا الحصر، في انتفاضة قامشلو عام 2004 تم اعتقال الاف من الكرد على الحواجز الامنية للنظام في دمشق وكان الاعتقال حسب الهوية، حيث مصدر الوثيقة السجل المدني في القامشلي والمالكية وعامودا والحسكة وكوباني وعفرين، وهو ما يثبت كردية المعتقلين بالنسبة للنظام الحاكم، وذاك اعتراف غير رسمي من النظام ان للكرد ارض وجغرافيا ثابتة في سوريا حين يتعرف على الكرد من خلال مكان ولادتهم، كانت فرصة سانحة لنيل بعض حقوق الكرد من النظام على طاولة المفاوضات، لكن دون جدوى، سقطت الانتفاضة على تلك الطاولة دون الحصول على اية مكاسب قومية او محاسبة القتلة والمجرمين.
هنا يتبين بعض اسباب فشل الحركة الكردية في سوريا من نيل حقوقهم المشروعة والعادلة، وربما التنويه لحاضر الاخوة في اقليم كردستان العراق كتجربة سيكون جديرا لفهم الحالة بين ممارسة السياسة وبين الصفة السياسية كمرتبة شرف او شعار، هناك كان الشعب برمته داخل ثورة البارزاني الخالد، مارس الكرد الكفاح والنضال للدفاع عن وجودهم يداً بيد دون تفرقة او صراع داخلي، كانوا متماسكين جدا لدرجة لم يكن للاستخبارات الاقليمية تلك القوة الكافية لاختراق صفوفهم وهزيمتهم، وعلى طاولة المفاوضات والحوارات كانت المطالب دوما ثابتة، وحين نالوا جزء من حقوقهم القومية اتجهوا لممارسة السياسة وفق العلم والمعرفة والبحث والتخطيط، تمكنوا من بناء وطنهم رغم دخول الصراعات الداخلية لأروقتهم فيما بعد وايجادها بيئة مناسبة للتوسع، الا ان بناءهم لكيان مستقل ودستوري ظل السد امام اي تفكك داخلي، لا سيما ايضاً الدبلوماسية الخارجية الناجحة التي جاءت من ممارستهم للسياسة وفق قواعدها كانت ولا تزال تسد من طرفها بعض الثغرات، بينما في سوريا لم يكن هناك كفاح مسلح او ممارسة للسياسة وفق قواعدها، كانت الحزبية الضيقة هي اقصى ما يستطيع الكرد ممارستها نتيجة الخوف من القبضة الامنية للنظام، بالإضافة ان غالبية تلك الاحزاب اعترفت انها مارست الماركسية كشعار مرحلة، كانوا غير قادرين التميز ما بين الفكر والثقافة والقومية، برامجهم (السياسية) وانظمتهم الداخلية كانت مقتبسة من الماركسية الشيوعية، تدفعنا هذه النقطة لذكر ماركس، كان ذكياً جداً، استخدم علم الاجتماع للنهضة في فكره وتوسيعها ونشرها في ارجاء الارض، لم يكن في عهده توجد وسائل التكنولوجيا والاتصالات والتنقل وسهولة الحصول على المعلومة لتطوير مراحل افكاره واستقطاب المؤيدين، كانت القوة الخفية تدير تلك الافكار وتحاول توسيع دائرتها، رسخ مفهوم الاشتراكية والرأسمالية والفصل بينهما، لكن اذا ما نظرنا للدول التي غزاها الفكر الماركسي الشيوعي سنجد بانها اصبحت رأسمالية حتى اكثر من الدول ذات الاصل، وتثبت تلك الوقائع ان دراسة المجتمعات هي الاساس لبناء أو هدم اي فكر، في ديسمبر 1991 سقطت الشيوعية بسلاحها العسكري والفكري من خلال تفكك الاتحاد السوفيتي، من اسقطها درس مجتمعاتها طوال عقود من الزمن، استغل الثغرات وتوسع في فتحاتها، توالت سقوط انظمة فكرية كثيرة وتفتت دول ونشوب صراعات سياسية ودينية مذهبية، كان المشهد واضح ان الكرد في سوريا تأثروا كثيراً وتاهوا في متاهات العلم والمعرفة للأحداث، على الارجح لم يكن بالأمر السهل حصولهم على العلوم السياسية الذاتية لممارستها والتحرر من القيود والانطلاق نحو الحقوق القومية للشعب الكردي، توارثت الاجيال تلك الصفات وما زالوا مشتتين واعداء انفسهم ويصارعون بعضهم البعض تاركين مغتصبي حقوق الشعب يتلاعبون بمصيرهم بأريحية مطلقة.
بالتأكيد لا يمكن القول ان الامر انتهى او شبه مستحيل، بالعكس تماما الفرصة الاخيرة ما زالت سانحة لتحقيق توازنات على الارض وتوجيه البوصلة باتجاهها الصحيح من خلال الفعل والعمل بإتقان وحرفيه مهنية للسياسة، يمتلك الشعب الكردي في سوريا شريحة واسعه من المخلصين القادرين على التقدم للأمام واصلاح ما افسده الدهر، الامر من اسهل ما يكون، التوقف عن محاربة بعضهم البعض وحدها كافيه لتفسح المجال للأوفياء للعودة والتقدم نحو الامام ومواجهة الاقوياء على طاولة المفاوضات لنيل حقوق الشعب الكردي.
التعليقات