هل سيتمكن مهندسو عملية طوفان الأقصى من تحقيق نصر استراتيجي بمكاسب ملموسة بعد أن أثقلتها الحرب بتكلفة جسيمة تحملها المدنيون الفلسطينيون في غزة؟ وهل يتفق جميع قيادات الحركة في الخارج الذين تلقوا خبر ما حدث في 7 اكتوبر كما تلقاه عامة الناس على ان قرار قيادات الحركة في الداخل كان مدروسا وصائبا؟.

تجاوز عدد الذين سقطو في هذه الحرب العشرة آلاف شهيد، فيما تضررت حوالي ربع مليون وحدة سكنية حسب التقديرات التي نشرتها السلطات في غزة وهو ما يعادل 60 بالمئة من اجمالي البنايات في القطاع، وأخلى قرابة نصف مليون شخص بيوتهم بشكل قسري جراء القصف العنيف الذي تعرضت له مدينة غزة، فيما تشير أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أن ما لا يقل عن 70 بالمئة من سكان قطاع غزة البالغ أصبحوا الآن نازحين، ويعيش معظمهم في ظروف مروعة في ملاجئها، من خلال كل هذه الأرقام أظن أنه لا يمكننا الحديث عن مكتسبات قد تتحقق من حرب خسر فيها الغزيون كل شيئ.

أليس عجيبا أن يسميها محمد الضيف، قائد الجناح العسكري للحركة بحرب التحرير الكبرى وأن يكتفي خالد مشعل بالمطالبة بوقف العدوان مقابل تحرير جميع الأسرى؟ لماذا انخفض سقف الطموحات من الحرب الى صفقة محدودة؟ هل ستكون صفقة تحرير 7000 أسير مقابل استشهاد الاف شخص وتدمير نصف غزة صفقة ناجحة ونصرا استراتيجيا؟ الا يعني تقديم القرار العسكري عن القرار السياسي تسرعا غير محسوب العواقب؟

صحيح أن العملية المباغتة قد كانت اختبارا تأكد فيه فشل المنظومة الامنية والاستخباراتية الاسرائيلية بعد الضربة الموجعة التي تلقاها الاحتلال في 7 اكتوبر، وتمكنت من احداث الصدمة داخل الجهاز الأمني والجهاز السياسي ونجحت الى حد ما في اعادة الزخم الاقليمي والدولي للقضية الفلسطينية، لكنها في نفس الوقت كانت اختبارا قاسيا لمحور المقاومة تبث من خلاله ان شعار وحدة الساحات كان مجرد بروباغندا اعلامية خاوية بعد أن جاءت ردة فعل حزب الله وايران أقل بكثير من سقف طموحات القادة العسكريين في حركة حماس وحتى من رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل الذي رأى أن المعركة تتطلب أكثر من حزب الله وما يقوم به غير كاف.

عملية طوفان الأقصى التي ربما ارتكزت على اعتبارات خارجية من بينما اقحام محور المقاومة في حرب اقليمية شاملة قد تكون مصدر توتر كبير بين قيادة حماس الخارجية والداخلية نظرا لانها لم تسمح للقادة في الخارج بتقدير الموقف ومن المشاركة وصياغة تصور عقلاني عن توقيتها وأهدافها ومآلاتها وهو المفروض من أجل اتخاد القرار السليم والذي يجعل منها عملية قابلة لتحقيق مكتسبات حقيقية، وقد لا يكون الوقت مناسبا لإبداء الرأي فيها من قبل قيادات الحركة المحسوبين على المحور السني وفي مقدمتهم خالد مشعل لكنها ستكون أولى نقاشاتهم بعد الحرب ومن المرجح أن يحتدم الخلاف فيها حول تحديد آليات صنع القرار داخل بيت الحركة بعيدا عن الاعتبارات الخارجية وحسابات محور المقاومة الذي يمكن أعتبار أنه خدل حماس في هذه المواجهة.

وبالرغم من وجود الخلافات الايديولوجية والصراعات الصامتة للزعامة في بيت الحركة ومع أن التخطيط لمعركة طوفان الأقصى وتنفيذها قد اتخد من قبل دائرة ضيقة من القادة في غزة الذين لم يشاركوا التفاصيل مع ممثليهم السياسيين في الخارج الا أن الجميع قد تخندقو تحت راية واحدة وهو أمر منطقي في ان تلقى الخلافات جانبا في زمن الحرب، لكن ما لا يقوله القادة في الخارج هو أن عملية طوفان الأقصى التي كانت قرارا انفراديا كان لها وقعها السلبي على الجهود المضنية التي بدلوها في محاولة الاستثمار في مكتسبات الهدنة السابقة وفي توجيه الدفة مجددا الى المحور السني، كما اقحمت الحركة في تحديات خطيرة بعد أن افرزت سيناريوهات لمستقبل ادارة القطاع، ما بين الإدارة الدولية وعودة السلطة الفلسطينية واعادت شبح الاحتلال الاسرائيلي لغزة.

ليس لدى السكان في غزة فرصة كبيرة للتعبير عن اعتراضاتهم على الثمن الباهظ الذي يدفعونه الآن مقابل عملية حماس، ولا تترك السيطرة التي تفرضها المنظمة على غزة مجالا كبيرا للمعارضة أو الانتقاد، لكن معظم الفلسطينيين في غزة لا يريدون الحرب، ولا يريدون أن يموتوا بهذه الطريقة تحت الأنقاض. ومع ذلك فان منظمة أيديولوجية مثل حماس تعتقد أن الموت من أجل قضية عادلة أفضل بكثير من عيش هذه الحياة التي لا معنى لها.