بعد أيام أو أسابيع ستنتهي معركة غزة، ستكون النتائج واضحة للجميع، عسكرياًً لا يختلف عليها إثنان على أنها ستكون محسومة لصالح إسرائيل، ليس هناك أي أحتمال بأنتصار حماس عسكرياً، ومن يراهن على غير ذلك فهو مغفل أو مجنون، لم يكن قرار الحرب قراراً إقليمياً بمشاركة الدول العربية أو حتى قرار السلطة الفلسطينية، لذلك من البديهي أن لا تتدخل أية دولة عربية بهذا الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر، وكذلك السلطة الفلسطينية أتخذت القرار ذاته رغم أن تبعات الحرب تمس السيادة والشعب الفلسطيني إلا أن السلطة الفلسطينية ملتزمة بمعاهدة السلام والهدنة فلا مجال أن تصبح ذيلية في قراراتها وتتبع تنظيم راديكالي مثل تنظيم حماس.

أما سياسياً فقد أظهرت الدول العربية والسلطة الفلسطينية قدر عالي من ضبط النفس والالتزام بالقرارات الدولية، وهذا يحسب للقيادة الفلسطينية ويحسب للمملكة العربية السعودية ويحسب لمصر والاردن، وحسب القراءات الواقعية ستتجه الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل بعد أن تضع الحرب أوزارها ستتجه لإعادة النظر في علاقاتها مع الدول العربية المعنية بالقضية الفلسطينية لتثمين هذا الموقف غير الأنفعالي وغير العاطفي وغير الارتجالي وستكون هناك مكاسب سياسية كبيرة للسلطة الفلسطينية والدول العربية الإقليمية قد تكون من نتائجها دولة فلسطينية ترضي الفلسطينيين أنفسهم وترضي الدول العربية المحيطة بإسرائيل ويكون هناك سلام شامل تضطر معه إسرائيل التنازل عن بعض المكاسب الاستراتيجية لصالح القضية الفلسطينية ولصالح دول المنطقة، وهذه ظاهرة ستحدث لأول مرة في التأريخ العربي، وهي أن الدول العربية استطاعت أن تجبر عدوها بأن يعترف بحقوقها وأستطاعت أن تنتصر على عدوها بالسلام لا بالحرب لا بالعنف، وهنا سيكون لزاماً على الجميع أستذكار موقف الرئيس المصري الراحل أنور السادات ليكون هو الرمز التأريخي المؤسس لمفهوم النصر بالسلام ومثلما كان غاندي من قبل بأسلوبه التأريخي بثورة اللا عنف، بالسلام يعني بالمنطق والعقل وبالحكمة بعيداً عن العنتريات والثوريات ولغة البندقية وهذا هو الأسلوب الجديد في سياسة الدول العربية المعنية..

أما إنسانياً فقد أثبتت هذه الحرب أنه لا توجد حرب نظيفة، فكل الحروب هي قذرة، وكل الحروب يدفع ثمنها الأبرياء. الطرف الضعيف يذهب للاختباء خلف المدنيين الابرياء والطرف القوي يذهب لضرب المدنيين الابرياء العزل للتأثير على عدوه، صحيح أن إسرائيل ستكسب الحرب عسكرياً ولكنها ستفقد مصداقيتها إنسانياً وستبقى دماء المدنيين الأبرياء لعنة عليها أبد الدهر، أما حماس فقد كتبت النهاية لنفسها بقتلها للمدنيين وترويعهم، بل وكتبت النهاية لجميع الحركات السياسية الدينية وأثبتت بأن الإسلام السياسي مهما تحفظ وتجمل ففي النهاية لا بد وأن يلبس ثوب الدواعش ويسلك مسلكهم .

نتيجة أخرى سينتبه إليها الجميع وهي أن أساليب الحروب مهما تطورت فلا تستطيع أن تجنب المدنيين ويلاتها فهذه مسألة لا يمكن تغافلها، هذا ما حدث بالضبط في الحرب الروسية الأوكرانية، وما حدث، في الحرب السورية، في حرب تحرير البوسنة، في حرب الخليج الاولى والثانية، في الحروب التي تعرض لها الشعب الكوردي بالإبادة، وفي جميع الحروب بالعالم .. لا أحد يعرف حتى اللحظة ماذا أرادت حركة حماس من هذه الحرب، لأننا كنا نرى من البداية أن هذه الحرب من حيث التوقيت والاسلوب فاشلة وحتى إيران لا يمكن أن تكون بهذا المستوى من الغباء بحيث أنها تدفع بحماس لمثل هكذا مغامرة، ولكن ما نراه في مكان آخر هو أن روسيا قد إستفادت فائدة كبيرة بمشاغلة العالم عن الصراع مع أوكرانيا وتخفيف الضغط النفسي والإعلامي وحتى العسكري عليها، وميدانياً أستغلت روسيا تحقيق بعض المكاسب العسكرية، والمستفيد الثاني هي تركيا التي تشعر بإرتياح كبير حين ترى غريمتها إيران في ورطة كبيرة، لذلك فأنا أظن بأن هناك لعبة مخابراتية روسية تركية لعبت دوراً فاعلاً في خلق هذه الأزمة في الشرق الاوسط .

حسب إعتقادي الشخصي المتواضع أن أردوغان أوحى للرئيس الروسي أن يستفيد من علاقته الوطيدة مع طهران في أن يفتعل أزمة في الشرق الاوسط لحرف الانظار عن الحرب الروسية الاوكرانية، من خلالها استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدهاءه من توريط إيران التي ما لبثت أن تصرفت بغرور وجهالة عندما دفعت بحماس لارتكاب هذه الحماقة. فأن صحت التكهنات سنسمع قريباً ردة فعل إيرانية تجاه روسيا، لأن إيران الآن في ورطة وستزداد ورطتها كلما طالت الحرب وستتكشف ملامح الورطة بوضوح بعد إنتهاء الحرب.