لقد عشت في الغرب قريبا نصف عمري وعملت في عدة مجالات، ولدي خبرة بثقافات الشعوب كما أنني عشت في الشرق وزرت عددا من الدول العربية، ولدي علاقات مع منظمات ترتبط بمنظمة U-Turn النرويجية التي اترأسها.

في أحد الأيام، سألني أحد الصحفيين سؤالًا مفاجئًا وكبيرًا ويتطلب إجابة قصيرة:

ما هو الفرق بين تفكير الشرق والغرب؟
أجبته بأول شيء خطر ببالي قائلاً: "الفروق كثيرة، لكن أعتقد طريقة تفكيرنا في حل المشاكل هي واحدة من أهم الاختلافات الجذرية. عندما نتعرض إلى مشكلة، أزمة أو كارثة في النرويج، نبحث بدايةً عن أخطائنا ويتم السؤال بما قصرنا؟ أين أخفقنا؟، ثم نبحث عن الحل الذي يتضمن التخطيط والبحث، هل نحن بحاجة إلى حل الأزمة حاليًا أم حل جذري، ثم تنسيق العمل، ومن المسؤول عن الفقرة كذا والفقرة كذا، ومتى سنتوقف لنرى ما حققنا خلال الفترة الزمنية. ولا توضع لجنة لتسويف القضايا بل للتعلم والوقاية...

قاطعني الصحفي: "كيف؟"
فقلت له: "عندما نتعرض إلى مشكلة، نبدأ بتحليلها وتحديد أسبابها، ثم نبحث عن الحلول الممكنة، ونختار الحل الأفضل بناءً على معايير واضحة، ونبدأ في تنفيذ الحل، ونتابع النتائج باستمرار للتأكد من نجاحه".

سألني الصحفي هل عندك مثالا الأمثلة كثيرة لكن لكي اعطيك مثالا معروفا فيمكنني الإشارة الى سفاح أوسلو، فالدراسة التي تمت وضحت القصور في عمل شرطة النجدة، واتخذت قرارات بشأن عمل الشرطة الوقائية وترتب على الامر الكثير من الإجراءات. ويكفي أن يكتب المستمع عن الموضوع ليجد آلاف المواضيع عنه و عشرات الآلاف باللغة النرويجية.

هز الصحفي رأسه وسألني: "وماذا عن الوضع في الشرق؟"
ضحكت وقلت له: "الفرق واضح".

فطالبني بالتوضيح، فأجبته: "في الشرق، مع كل مشكلة نبحث عن من فعلها بنا، ومن تآمر علينا، ومن...، وعندما نبحث عن الحلول نطالب هذا وذاك بالحل وننسى أنفسنا، مع العلم أننا نحن المشكلة وفينا يكمن الحل."

سألني الصحفي سؤالا حقيقة لم أكن أتمنى أن يسأله. اعطني مثالا من الواقع العربي؟
أجبته: "سأعطيك مثالا من بلدي لحساسية سؤالك، ففي بلادي تقع المصائب على رؤوس العراقيين وهم يبحثون ويجيبون بقناعة تامة أنه بسبب نظام البعث أو دول الجوار وينسون أن المشكلة والحل تكمن في العراقيين الذين يعيشون اليوم على أرض العراق. اذا تم الاستمرار بهذا التفكير النمطي ونفس السلوك ونفس الحلول فأقولها وبصوت عال (أشعر بالقلق على مستقبلنا) شعوب بلا قضية بلا شعور حقيقي بالمواطنة شعوب بلا مستقبل. وهذه مسؤولية المثقف وليس الجاهل. الموضوع يتطلب الى عمل وعمل إضافي مع تضحيات لأجل غد قد لا نراه ولكن يمكن لأحفادنا أن تراه.

آن الأوان أن نعمل على صنع هذا المستقبل ولا ننتظر من يصنعه لنا، لن يحك جلدك مثل ظفرك ولنتوقف عن البحث عن الاعذار.