منذ أن نشأت إمارة شرقي الأردن في عام 1921 وهي تعيش إمَّا داخل الزجاجة أو محشورة في عنق الزجاجة، بحكم الجغرافيا والتاريخ. إبان سنوات الانتداب، وقع الأردن في براثن المعاهدات المتتالية مع حكومة بريطانيا، التي تقاسمت الشرق العربي مع فرنسا، والعالم خارج للتو من الحرب العالمية الأولى، فبدأ التضييق على الجيش العربي بعدته وعتاده وعديد أفراده وميزانيته، ما أشعر الأردن آنذاك أن بريطانيا تكبله وتفرض عليه قائداً للجيش إنجليزياً هو كلوب باشا، الذي أسماه البدو أبو حنيك لطلقة أصابته في حنكه فأصبح مائلاً. وفيما عُرِّب الجيش بعد أن استقلت الإمارة وأصبحت مملكة، إلا أن المحيط المليء بالنكبات والانقلابات والحروب والمآسي ظل محاصراً الأردن، من حرب 1948 إلى حربي 1967 و1973 فحربي الخليج الأولى الثانية، وفي كل محطة منها كان الأردن يستقبل آلاف اللاجئين العرب من كل صوب وحدب، بدءاً بالأخوة الفلسطينين وانتهاءً بأحدث موجة لهجرة الأخوة السوريين، وقد امتلأت الأرض الأردنية بملايين اللاجئين وعشرات المخيمات.

المفاجأة في تاريخ هذا البلد العظيم أنه كان يخلق من كل أزمة فرصة، ومن كل لاجئ أيقونة وفرصة عمل، ومن كل مخيم مدينة صغيرة، ومن كل غريب ابن وطن ومشارك في التنمية. أما في مسألة تهجير الغزيين وأهالي الضفة الغربية، المطروح على الأجندة الإسرائيلية والتي تحاول حكومة اليمين المتطرف الصهيونية أن تنفذها، فقد كان لها الأردن بالمرصاد، لأنه أدرك أن تسامحه في ما مضى في موضوع اللاجئين والنازحين والمغلوب على أمرهم فُهم خطأً، واستُغل من قبل اليهود المتطرفين بطريقة تجعل من الأردن وطناً بديلاً لكل من تود إسرائيل التخلص منه، فكانت وقفة ملك الأردن بالتعاون مع الرئيس المصري وقفة حازمة تهدف إلى التأكيد أن الحق الفلسطيني ثابت، وأن الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه. وبالرغم من تحسسهم بالألم تجاه اخوانهم في الضفة الغربية وغزة، إلا أن الأردنيين شعروا أن مصلح هؤلاء تكمن في بقائهم في أرضهم، وأن مآسي النكبة والنكسة يجب ألا تتكرر، وأن روابط الأخوة التي يظهرها الأردن للدول العربية المحيطة به في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان هي للتخفيف من مآسيهم وليس لاحتضانهم كمواطنين للأبد.

لقد قاتل الأردن عبر أكثر من مائة عام للخروج من عنق الزجاجة، ويبدو أن الأوان قد حان، ليعلن أخيراً أن لا نية لديه في قبول ما تمليه عليه الظروف والأحداث والقوى المستعمرة والمنتدبة، وأن الأردن ليس وطناً بديلاً لأحد، بل هو وطن أبنائه، مثلما فلسطين وطن الفلسطينيين. حمى الله الأردن وشعبه الطيب.