حين يكشف الحزن قناع السخرية، والانتقام، والألم، ويفقد الكلام صداه ووقعه في معترك الزمن، وحين تقف سفينة الأحلام بعيدة عن شواطىء الأمل، ولسان حال الغريب يلاحق بفضوله تلك الإنهيارات الموجعة باحثاً عن غرائب القصص، سيجد الصمت عنوانه في حضرة القلم.

بالصمت يهرب المرء إلى حيث اللحظات الدافئة التي تشعره بسكينة الروح وطمأنينة القلب، حيث الإبداع، والقوة، والحكمة، والأدب. وبالصمت يزهو العقل عنفواناً، وتسمو الروح هيبةً وانتصاراً. فيه تدبرٌ واهتمامٌ بأفكارٍ ومشاعر باتت مبعثرة بفعل الخيبات المؤلمة، وفيه نصائحٌ للذات المتنافرة، تلك الذات التي نتجت عن تجارب المرء للظواهر والمواقف المختلفة والتي تشكل ركيزة أساسية لإدراكه وعواطفه وأفكاره ومن خلالها يسعى نحو شخصية أفضل.

بسكون الحياة، وتأمل المواقف، سيكون هناك استذكارٌ لتفاصيل الحكايا الراسخات في ذاكرة الخيال. وبكل هدوءٍ واسترخاء وبعيداً عن عتمة الأفكار وسلبياتها، ستُضاء اللحظات التي طالما سعينا إليها وكنا على موعدٍ قريبٍ منها لتكون قصائد لأغانينا.

بالصمت سنكون في رحلةٍ إلى حيث الإبداع الذي ترسمه فرشاةُ أمانينا، وسنحظى بالقوةِ والصلابة في مواجهة مآسينا، وتحقيق طموحاتنا الجميلة. ومع جمال وروعة الصمت الذي تنسجُ فيه الذاكرة أجمل الأحلام التي ترويها تفاصيل القصص والحكايات مابين فرحٍ وبكاء وعلى وقع صواعق المواقف والأحداث، نرى أن البعض يجد فيه خوفاً وضعفاً وخشيةً في المواجهة خاصة من يعتمدهُ كنهجِ حياةٍ يُشعر من حوله وكأنه في صراعٍ مع المرض ويعاني من اكتئابٌ نفسيٍ مخجل، كونه لا يُجيد اختيار الكلمات المناسبة للحديث أو التواصل، فيفضل الهروب إلى عالمٍ تسكنه الخيالات المؤلمة وتدخله في صراعات مع ذاته الشخصية تقوده في نهاية الحال إلى الوهن والضياع.

لا نريد أن يكون الصمت دليلُ إشارةٍ على الضعف، وتشتت الأفكار، وضياعٍ الأحلام، فرغم عدم استيعابه من قبل الكثيرين، إلا أنَّهُ قد يكون أبلغ من الكلام، فهو زينةُ العقلاء، وكرامةُ الشجعان، ووقار الحكماء. إنَّه الراحة والأمان من ضجيج المواقف والأحداث.