أصبح الكريسماس كابوساً سنوياً يطارد محمد صلاح نجم منتخب مصر وفريق ليفربول الإنجليزي، حيث ينال قسطاً وافراً من الانتقادات التي تحولت إلى شتائم في مرحلة لاحقة، ثم إلى تكفير من دواعش السوشيال ميديا بداعي أنه يحتفل بمناسبة مسيحية.

الأمر لا يقتصر على دواعش السوشيال ميديا، بل يمتد كذلك لمن يستحقون لقب عبيد التفاعل والترند واللايك والشير، حيث يحرصون على كسب نصيبهم من التفاعل المضمون بالهجوم على صلاح، فالشعار الآن "إذا أردت أن تصبح عربياً أصيلاً، ومسلماً قوي العقيدة، فما عليك سوى الهجوم على صلاح".

وكذلك للأمر علاقة بتجاذبات كروية، وحالة أقرب للكراهية يحملها له نسبة ليست بالقليلة من جمهور الأهلي المصري وريال مدريد، وهما الأكثر تأثيراً من الناحية الكروية عربياً وعالمياً، ولكل أسبابه، وإن كانت مشاعر الكراهية لا يبررها أي شيئ، فجمهور الأهلي، دون أن يدرك، لا يطيق أن يرى نموذجاً كروياً مصرياً متوهجاً سوى الأهلي، وعشاق ريال مدريد لا يطيقون صلاح الذي توعد الريال قبل نهائي دوري الأبطال، فانهالوا عليه نقداً وكأنه لا يحق له أن يتحدث عن طموحه بالفوز على النادي الملكي، كما أن وجود صلاح في هذا المشهد الكروي العالمي، جدد عليهم عقدة "جلد الذات"، حيث أنهم لا يريدون رؤية لاعب عربي يمثلهم في مدارات العالمية.

وكذلك هناك لجان الإسلام السياسي، وهي الأكثر تنظيماً وتأثيراً "عربياً" منذ سقوط مشروعهم السياسي، وهذه اللجان تطارد بدورها صلاح ليل نهار عبر مواقع السوشيال ميديا بعد أن فشلت في أن تجعل منه "تريكة جديداً"، وقوة ناعمة مؤثرة تجلب لها قاعدة كبيرة من الشباب.

ما حدث هذه المرة أنَّ صلاح ذهب رفقة فريقه ليفربول لزيارة أطفال مرضى في مستشفى بمدينة ليفربول، وهو عمل إنساني هدفه إدخال السرور إلى قلوب أطفال مرضى لا علاقة لهم بما يحدث لأطفال غزة، ليبدأ الهجوم على صلاح ولن يتوقف تحت عنوان "كيف تتعاطف مع أطفال إنجليز وتتجاهل أطفال غزة؟".

الهجوم الذي تعرض له صلاح جاء سطحياً، وبلا منطق، خاصة أنه لا توجد علاقة بين غزة وليفربول، فصلاح يعيش في ليفربول وليس غزة، كما أنَّ العمل الإنساني في أي مكان يظل عملاً إنسانياً، وسبق لصلاح أن تبرع بملايين الدولارات لغزة ولأطفال غزة، وهو ما لم يفعله دواعش السوشيال ميديا وعبيد الترند ممن يزايدون على مواقف صلاح ليل نهار، كما أنَّ زيارة طفل إنجليزي مريض تظل عملاً إنسانياً.

وعاد صلاح لينشر صورة بالأبيض والأسود لشجرة الكريسماس في تعبير رمزي، ومعها رسالة قوية وحزينة جاء فيها: "عيد الميلاد هو الوقت الذي تتجمع فيه العائلات وتقام فيه الاحتفالات، ولكن مع بدء الحرب الوحشية في الشرق الأوسط، وخاصة الموت والدمار في غزة، وصلنا هذا العام إلى عيد الميلاد بقلوب ثقيلة للغاية".

واختتم صلاح: "نحن نتشارك في ألم تلك العائلات التي تحزن على فقدان أحبائهم، من فضلكم لا تنسوهم ولا تعتادوا على معاناتهم، عيد ميلاد مجيد".

الرسالة كما أراها قوية وإنسانية وعميقة، ولكنها قوبلت بهجوم أشد عنفاً، فالغالبية لم يترجموا محتواها، وقرروا اغتيال صلاح معنوياً من جديد لمجرد رؤية شجرة الكريسماس، والتي كانت سبباً في تعرية داعشيتهم، وكراهيتهم للآخر، خاصة أنَّ العالم أجمع يحتفل بالكريسماس ورأس السنة، ويرى فيهما جانباً اجتماعياً قبل الجانب الديني، والحقيقة أنَّ صلاح بما يفعله نجح في تعرية مجتمعاتنا التي يقتلها التدين الظاهري وكراهية النجاح والغيرة المدمرة التي يحاصرون بها الموهوبين، وخاصة حينما تؤهلهم موهبتهم لكسب الكثير من المال.

ما يتعرض له صلاح، يعيد النقاش حول حرية التعبير بالسوشيال ميديا للواجهة، ليظل السؤال مطروحاً "هل حرية التعبير تعني الاغتيال المعنوي لمن لا يفعل ما نريده منه؟ هل تعني تكفير من يتناغم مع مجتمع آخر رغم أنه يحافظ على هويته وثقافته؟ وهل أصبح ملايين البشر ممن لا يحملون الحد الأدنى من الوعي والمعرفة والثقافة يحملون في هواتفهم سلاحاً فتاكاً هو "السوشيال ميديا" يغتالون به من يشاؤون؟