لم يكن محامي عائلة الشهيدة الكردية الإيرانية المغدورة جينا أميني، المعروفة باسم "مهسا أميني" يحمل سلاحاً نووياً أو متفجرات أو ممنوعات تستدعي توقيفه والتطاول عليه والتحقيق معه بمجرد دخوله مطار طهران مساء الجمعة 22 كانون الأول (ديسمبر) 2023 قادماً من أوروبا؛ بل كان يحمل جائزة التكريم التي صُودِرت منه دون وجه حق، وهذه الجائزة أعطيت في حقيقة الأمر مواساة له وتغطية على خذلان الغرب للانتفاضة الوطنية الإيرانية التي تأججت إثر عملية القتل المفجع لتلك الشابة الصغيرة، وكان ذلك الخذلان الأوروبي دعماً لنظام الملالي وتغطية لا تزال قائمة على جرائمه.

لم يرتكب المحامي أي ذنب ولم يخالف القانون عندما سافر وعندما استلم جائزةً بالنيابة عن موكليه بعد أن مُنِعوا من السفر وصُودِرت منهم جوازات سفرهم، ولم تكتف سلطات نظام الملالي بالتحقيق مع المحامي، بل قامت بمصادرة الجائزة التي تضمنت عبارات (المرأة – الحياة – الحرية)، وهي كلمات تستفز النظام؛ فهو لا يعترف لا بالمرأة ولا بالحياة ولا بالحرية، وكل هذا وذاك إن دل على شيء فإنما على أن التحقيق مع المحامي ومصادرة الجائزة أمر سياسي وأمني، وأن مقتل أميني على يد السلطات الإيرانية كان قتلاً عمداً وبدوافع سياسية وعنصرية، وأن الجريمة لم تكن حادثاً عرضياً بسبب سوء الحالة الصحية للمجني عليها كما يقول مسؤولو النظام.

إنَّ منع ذوي أميني من السفر ومصادرة جوازات سفرهم ثم توقيف محاميهم والتحقيق معه ومصادرة الجائزة يدل على أنَّ القضية سياسية، وأن الملالي قد وضعوا المسألة برمتها وكل القضايا المشابهة لها في إطار أمني له أوسع الصلاحيات المطلقة في التعامل مع الخصوم، وقد ماتت عشرات الفتيات وعشرات النساء بطرق أبشع مما جرى لأميني، ولا تزال عائلات الضحايا تعاني القهر والقمع والاعتقالات بعد فقدان فلذات قلوبهم.

تعود جذور هذه القصة لأحداث مأساوية جرت في مدينة طهران، لفتاة كردية إيرانية من مدينة سقز الإيرانية (22 عاماً)، كانت في زيارة أقاربها مع عائلتها، وقد خرجت في تجوال داخل طهران هي وشقيقها، وكانت الفتاة محجبة، إلا حجابها لم يكن حسب الكتالوغ الذي وضعه الملالي، ولم يرُق لجنودهم في شرطة الآداب. وأثناء خروج الفتاة وشقيقها من إحدى محطات المترو في طهران، تعرضت لقمع شديد، خاصة بعد أن علم الجنود أنها كردية من سقز، وقد تسببت الحادثة باحتقان تجمهر على اثره الناس وسط حالة من الغليان الشعبي، واقتيدت الفتاة إلى مركز شرطة الآداب، ولحق بها شقيقها الأصغر (17 عاماً) وانتظرها أمام المركز حتى أخرجت منه جثة هامدة بعدما سددت إليها ضربات عديدة على رأسها أدخلتها في غيبوبة حتى فارقت الحياة.

دخلت العائلة المنكوبة بابنتها حية سليمة إلى طهران، وكر الملالي، وأخرجتها منها جنازة شيعت إلى مثواها الأخير، وكانت السيدة مريم رجوي، زعيمة المقاومة الإيرانية في حينها، أول من أعلن حالة الحداد والتنديد بهذه الجريمة البشعة، وقدمت العزاء لذويها، مطالبة الشارع بالتحرك، فتأججت الانتفاضة في شهر أيلول (سبتمبر) 2022. وقد طبَّل الغرب قليلاً، بحماسة في حينها، وتضامن بقص الشعر على استناد أنها انتفاضة حجاب في إيران، وبعد بضعة أيام خفت صدح طبول الغرب، وأدار ظهره كعادته بعد أن شوه الانتفاضة عندما حصرها في إطار "انتفاضة حجاب"، ولم يصدر أي موقف رسمي يستحق أن يُذكر عن حالات الإعدام والاغتصاب وقتل الأطفال والنساء، وقتل المصلين البلوش أمام المساجد أثناء خروجهم من الصلاة. وعندما أراد الغرب تلميع صورته وتكريم ذوي الشابة المغدورة، لم يفكر بمسؤولية تجاه ما قد تتعرض له هذه العائلة من أذىً وملاحقات وقمع بدأت بمنعها من السفر ومصادرة جوازات سفرها ولم ينته الأمر هنا، إذ لن تصدر السلطات جوازات سفر للعائلة ثانية، وتبقى قصة هذه الفتاة والفتيات الأخريات ومعاناة ذويهن من أكثر القصص ظلماً ورعباً بفقدانهن وما بعد فقدانهن.

ماذا بعد مصادرة نظام الملالي جائزة ساخاروف، ومحاولة اغتيال نائب رئيس البرلمان الأوروبي السابق، وهل سيستمر الغرب في نهجه الداعم لنظام ولي الفقيه في إيران؟

من أمِن العقاب أساء الأدب. وبعد سكوت الغرب وتواطؤه على جرائم نظام الملالي وقتله الأطفال والنساء، وتسميمه طالبات المدارس، وانتهاكه حقوق الإنسان، وممارساته العنصرية ضد الأقليات العرقية والدينية والمذهبية، وتصعيد عمليات الإعدام داخل إيران، والتعدي على سيادة الدول وكرامة الشعوب، وتصدير الإرهاب والسلاح والمخدرات إلى الدول العربية، وتدمير العراق ولبنان وسوريا واليمن، والتغاضي عن الأنشطة الإرهابية للملالي في أوروبا والتي كان أخرها محاولة اغتيال نائب رئيس البرلمان الأوروبي السابق البروفيسور ألخو فيدال كوادراس... ماذا يتوقع العالم والغرب ومنطقة الشرق الأوسط من هذا النظام، ومن يتحمل مسؤولية أعماله؟ أيتحمل مسؤوليتها الغرب الذي يساومه ويتغاضى عن جرائمه ويرفض تصنيف حرس الملالي كمنظمة إرهابية، أم تتحمل الإدارة الأميركية التي تدعمه بالمال وتدافع عنه وتقول إنه غير متورط في جرائم الشرق الأوسط وتدعم رسوخ عملائه في سلطة حكم العراق؟

ستتحمل الأمم المتحدة مسؤولية أعمال هذا النظام، وهي التي سمحت لرئيس النظام إبراهيم رئيسي، المُدان بجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية بأدلةٍ وإثباتات، بالوقوف على منصة الأمم المتحدة، والسماح لوزير الخارجية حسین أمير عبداللهيان بالجلوس على منصة مجلس حقوق الإنسان دون أدنى اكتراثٍ بحقوق ضحاياهما وخروقاتهما للقوانين والتشريعات الدولية. لن يتحمل أحد المسؤولية، ولن يقيم نظام الملالي للأمم المتحدة أو لقوانينها وزناً، ولا يرى فيها شرعية. وما الأمم المتحدة بالنسبة إلى الملالي سوى وسيلة يحتمون بها ويكتسبون من خلالها شرعيةً لحكمهم، بعد أن أسقطهم الإيراني وقاطع انتخاباتهم وعزلهم.

وأخيرا ماذا نتوقع نحن العرب من نظام يقتل الأطفال ولم يسلم من بطشه حتى من في القبور التي تسلم من الإعتداء والتخريب.. ولسنا مُلزمين بما يراه الغرب الداعم للملالي وكيف ينظر لهم ؛ إنما ننظر لواقعنا وما حل بنا جراء انتهاكات نظام الملالي وما ألحقوه ببلداننا من خراب ودمار وفتنة ونشرٍ للتطرف والإرهاب والمخدرات، ولا خيار لنا سوى إسقاط صنم الباطل القائم في طهران وإزاحته من الوجود وإراحة دول وشعوب المنطقة من شره.