بداية الأزمة
كانت للعملية المفاجئة التي نفذتها حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 في إسرائيل عواقب وخيمة للغاية وغير قابلة للإصلاح في بعض الأحيان، وقد خلقت هذه العملية ظروفاً جديدة في المنطقة والعالم أجمع، يمكن القول، في تحليل سياسي واقعي، إنها كانت غير مسبوقة.

إنَّ ديناميكية هذه الأزمة لم تكشف عن نفسها بالكامل بعد، ولكن حتى الآن نستطيع أن نقدر أنه سيتم إنشاء توازن سياسي جديد في المنطقة، ولا شك أن ما يحدث في غزة مؤلم إلى درجة أنه من المستحيل عدم الحديث عن تأثيراته على السياسة العالمية، ويمكن رؤية الإشارات المؤثرة في السياسة العالمية في كلام الرئيس الأميركي كتحذير للنظام الإيراني، وكلام مسؤول الاتحاد الأوروبي المتضمن هجوماً حاداً على هذا النظام وأيضاً في البيئة الإعلامية. علاوة على ذلك، يزداد الحديث في الفضاء الصحفي في العالم العربي عن خيانة نظام ولاية الفقيه لقضية فلسطين وشعبها، والعديد من المقالات وآراء المحللين حملت التساؤل التالي: "الحرب بين إسرائيل وحماس أم بين إسرائيل والولي الفقيه؟".

ورغم نفي النظام الإيراني المتكرر لمسألة التدخل في أزمة غزة، إلا أنه لم يعد بإمكانه استخدام الدرع الدعائي لأمثال داعش والقاعدة والاختباء خلفه، لكن نظراً للوضع الحرج داخل إيران، فإن النظام الإيراني يشعر بقلق بالغ إزاء مثل هذا الوضع ويحاول تجنب هذا الموضوع قدر الإمكان، ولهذا السبب خامنئي ورئيسه المعين ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان كلهم يحاولون تقليص دور النظام في هذه الأزمة.


لقاء خامنئي مع وفد الحوثيين برئاسة محمد عبدالسلام

وإذا ألقينا نظرة سريعة على خلفيات تدخلات النظام وخلق الأزمات في المنطقة، يمكننا أن نستنتج أن سياسة الاسترضاء مع النظام الإيراني كان لها ثمن باهظ للغاية على شعوب إيران والعراق وسوريا وإيران واليمن ولبنان وفلسطين للحفاظ على وجود هذا النظام. إن النار التي أشعلتها في المنطقة سياسة المصلحة الذاتية التي ينتهجها هذا النظام قد غطت الآن المنطقة بأكملها من لبنان إلى اليمن، والبحر الأحمر، وحتى المحيط الهندي، ومن هذه الحالات مهاجمة سفينة تجارية في مياه المحيط الهندي بطائرة مسيرة تابعة للنظام الإيراني، وبدأ الحوثيون المدعومون من إيران، كأول مجموعة بالوكالة، هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر لدعم حماس، واحتجزوا سفينة تابعة لإسرائيل كرهينة.

مؤشرات على دور طهران في أزمة غزة وتوسيع نطاقه
بحسب وكالة تسنيم للأنباء، قال الحرسي محمد رضا نقدي، نائب منسق حرس الملالي: "إنهم (أميركا وحلفاؤها) سينتظرون قريباً إغلاق البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق والممرات المائية الأخرى... حتى الأمس، كان الخليج ومضيق هرمز بمثابة كابوس بالنسبة إليهم، واليوم هم عالقون في البحر الأحمر، وعليهم أن ينتظروا إغلاق البحر الأبيض المتوسط وجبل طارق والممرات المائية الأخرى أمامهم، وكما قال المرشد الأعلى للثورة [خامنئي]: «يجب أن ينتظر الظلم الذي تجاوز الحد، حتى العاصفة»"!

وهاجمت جماعة الحوثي التابعة لإيران في اليمن السفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر الشهر الماضي "انتقاماً للهجوم الإسرائيلي على غزة"، مما دفع بعض شركات الشحن إلى تغيير مساراتها، وأعلنت وكالتان بحريتان، السبت 23 كانون الأول (ديسمبر)، أن غارة بطائرة بدون طيار ألحقت أضراراً بسفينة تجارية في المحيط الهندي، لكن لم تقع إصابات، وأفادت إحدى الوكالات أن هذه السفينة مرتبطة بإسرائيل، ووفقاً للعمليات البحرية التجارية في المملكة المتحدة والأمن البحري بالجيش البريطاني، فإن: "ناقلة مواد كيميائية ترفع العلم الليبيري... تابعة لإسرائيل، تسبب الهجوم قبالة سواحل الهند في نشوب حريق على متنها".

وتصاعدت هجمات الميليشيات الحوثية على السفن بعد زيارة خامنئي لمعرض إنجازات القوة الجوية لحرس الملالي في 19 كانون الأول (ديسمبر)، وطالب خلال هذه الزيارة بـ "بقطع التدفق والشريان الحيوي" لإسرائيل، وقال لكبار قادة القوات المسلحة: "يجب ألا تسمحوا بدخول النفط والطاقة والسلع وما شابه ذلك إلى النظام الصهيوني"، وبحسب إعلان كبرى شركات النقل والخدمات اللوجستية، تسببت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في تغيير ما لا يقل عن 103 سفن حاويات لمسارها من البحر الأحمر، بحيث اضطرت العديد من السفن التجارية إلى تجاوز الطريق البحري من جنوب القارة الأفريقية بدلاً من عبور البحر الأحمر من أجل الانتقال من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي (والعكس)، هذا التغيير في المسار، بالإضافة إلى إطالة وقت نقل البضائع بتأخير يتراوح بين 10 إلى 15 يوماً، تسبب أيضاً في ارتفاع تكلفة الوقود وأجور الموظفين والتأمين.


التهديد بجعل المنطقة غير آمنة من قبل الحرس محمد رضا نقدي نائب منسق الحرس الثوري

وقال البيت الأبيض يوم الجمعة 22 كانون الأول (ديسمبر)، إن إيران: "منخرطة بشكل كبير في التخطيط لعمليات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر"، وبحسب إعلان البيت الأبيض، فقد أكدت مصادر استخباراتية أميركية أنه بالإضافة إلى البيانات الاستخباراتية التكتيكية، قدمت طهران أسلحة ومعدات عسكرية مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ للحوثيين، وبحسب البنتاغون، استهدف الحوثيون 10 سفن تجارية خلال أكثر من 100 هجوم بطائرات مسيرة، ومع تعطل حركة المرور التجارية في البحر الأحمر، أعلنت الولايات المتحدة مؤخراً عن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات تضم أكثر من 20 دولة لحماية السفن، ودخلت حاملة الطائرات يو إس إس دوايت دي أيزنهاور خليج عدن لاستعراض قوتها.

الاستنتاج والحل
تشير كل الدلائل والدلائل إلى أن العملية المفاجئة التي نفذتها حماس يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) باتجاه إسرائيل، والتي أعقبها دخول الحوثيين في الحرب البحرية بشعار دعم غزة، هي جزء من الإستراتيجية الرسمية للنظام الإيراني، وهي إغلاق الخط على عمق استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط، ترجع هذه الاستراتيجية على وجه التحديد إلى التهديدات التي عرّضت وجود النظام الحاكم في إيران للخطر، وهذا الخطر يأتي مِن الانتفاضة الشعبية التي عادت إلى الحياة في جميع أنحاء إيران، هزت انتفاضة 2022 نظام ولاية الفقيه برمته وأوصلته إلى حافة الإطاحة به.


خامنئي يلتقي وفداً من حماس برئاسة هنية في طهران

إنَّ خلق الأزمة وزعزعة أمن وسلام المنطقة وكذلك المياه الدولية هو هدف خطط له النظام الإيراني بدعم من مجموعات تابعة له تحت رايته وتحت ستار "المقاومة" من أجل قطع الطريق ومنع الانتفاضة الداخلية.

لكن قادة نظام ولاية الفقيه وتحديداً خامنئي يعلمون جيداً أن هذه اللقمة أكبر من أفواههم وبتهديد أمن المنطقة الاستراتيجية من العالم، كما يقول المثل العربي "ينقلب السحر على الساحر" كل شيء سوف ينقلب ضد النظام وسيتدمر.

لا يوجد طريق حقيقي لإنهاء الأزمة في المنطقة والعالم وإحلال السلام والأمن المستقرين سوى الإطاحة الكاملة بالدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، وهذا هو الحل نفسه الذي أعلنه الشعب ومقاومته المنظمة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وأكد عليه منذ أربعة عقود أنه يجب ضرب "رأس الأفعى في طهران"!