ينحصر همّ العالم عموماً والدول الغربية ودول المنطقة خصوصاً في وضع حد للحرب المستعرة في غزة، والعمل من أجل منع اتساع دائرتها وفتح جبهات جديدة بما يٶدي إلى حدوث حريق کبير في المنطقة برمتها.

جهد ملحوظ يبذله العديد من الأطراف وعلى مختلف المستويات، إذ ليس ثمة من يرغب باشتعال حريق کبير في المنطقة، بالنظر إلى ما تحويه من تعقيدات تجعل إطفاءه أمراً بالغ الصعوبة، لکن في نفس الوقت، فإنَّ ما يمکن الإحساس به هو أن هذا الجهد لا زال في طور نظري، ولم يتم تجسيده عملياً، بل إن تفعيله على أرض الواقع يبدو أمراً بالغ الصعوبة.

مع إقرارنا بصعوبة تفعيل الجهود السياسية الدولية والإقليمية المبذولة من أجل وضع حد للحرب الدائرة في غزة، والسعي لعدم انتشارها أو حتى ديمومتها بهذه الصورة المأساوية، فإن من المفيد جداً الانتباه إلى أهميَّة أن تؤدي هذه الجهود بصورة أو أخرى إلى وضع حد للحرب، والتي ستكون في أفضل الأحوال حلاً موقتاً أو وسطاً، وليس حلاً نهائياً أو جذرياً وحازماً.

الحلول المطروحة لحد الآن لهذه الحرب المدمرة في غزة هي حلول موقتة، تساهم بإطفاء اللهيب من دون الجمر الذي يهدد بإشعال نار الحروب مجدداً هنا أو هناك في المنطقة. ومن دون أدنى شك، فإنَّ الحقيقة التي لا يمکن إخفاؤها هي أنَّ النظام الإيراني کان ولا يزال اللاعب الاکبر في المنطقة من حيث تأثيراته ليس على حرب غزة فقط، بل على اتساع رقعتها والتأثيرات والتداعيات المنتظرة منها أيضاً.

النظام الايراني يلعب بالنار بصورة ملفتة للنظر، فهو يحرص حتى اللحظة ألا تحرق يديه، ويکتفي بحرق المناطق والأماکن التي يريدها أن تحترق، وهو يمارس هذه اللعبة منذ أعوام عديدة، ويظهر واضحاً تمرسه فيها، والأهم من ذلك سعيه من أجل استخدامها وتوظيفها لصالحه، لا سيما وهو يمر بواحدة من أصعب المراحل التي يواجهها منذ تأسيسه ولحد الآن.

إقرأ أيضاً: ماذا ينتظر خامنئي؟

سعي النظام الايراني من أجل أن يبدو أمام شعبه والعالم على ما يرام، وأنه يمسك تالياً بخيوط الأزمات والحروب بيده، هو في الحقيقة في سبيل التغطية على حالة الضعف والتراجع غير العادي الذي صار يشعر به بمرارة بعد الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في أيلول (سبتمبر) 2022، والتي دامت أشهراً ولا زالت آثارها وتداعياتها على الأوضاع الداخلية مستمرة. ومن دون شك، فإنَّ إندلاع الحرب في غزة قد جاءت بمثابة هبة من السماء بالنسبة إليه، لذلك فهو يحاول استغلالها إلى أبعد حد ممکن في سبيل معالجة أوضاعه الصعبة وجعله يتقدم خطوة إلى الأمام.

إقرأ أيضاً: ما بين الازدهار والدمار ولاء أعمى وارتهان خارجي

الحرب في غزة، وفي ظل بقاء الاوضاع الراهنة على حالها، ستتوقف عاجلاً أم آجلاً، ولکن هل هناك من يمکنه أن يضمن عدم اندلاع حرب أخرى مشابهة في المنطقة؟ هل هناك من يمکنه أن يضمن إقلاع النظام الإيراني عن تدخلاته ودأبه على إثارة الحروب والأزمات إقليمياً؟ الحقيقة التي يعرفها الجميع جيداً، ولا يمکن لهم تجاهلها والتغاضي عنها، هي أنه طالما بقي النظام الإيراني في سدة الحکم في طهران، وطالما کان هناك تعامل وتعاط دولي معه، ولا سيما استمرار سياسة مسايرته من قبل البلدان الغربية، فإنَّ المنطقة سوف تظل دائماً في مواجهة احتمالات نشوب الحروب والمواجهات، وستظل رهينة محبس الولي الفقيه، ولذلك، فإن معالجة مشکلة الحروب والأوضاع المتأزمة في المنطقة تبدأ من طهران لا من غزة أو غيرها، إذ وکما ذکر ويذکر العديد من الکتاب، فإنَّ رأس الافعى في طهران، ومن دون سحق رأس هذه الافعى، فلا أمن ولا أمان!