في ظل الظروف والأوضاع البالغة التأزم التي يواجهها النظام الإيراني، لا سيما لناحية التعامل مع الأحداث والتطورات الناجمة عن الحرب المأساوية في غزة، يبدو أنَّ تحولاً قد طرأ على مقارباته التي كانت تنحصر سابقاً بالإيعاز إلى وکلائه الإقليميين من المنتسبين إلى ما يسمى محور المقاومة بالعمل والحركة. لكن مع افتضاح خبث الدور الذي يلعبه، وسعيه المکشوف من أجل تجيير نتائج الحرب في غزة لصالحه، فإنَّ النظام، وبعد أن ضاقت به السبل وازدادت الانتقادات اللاذعة له لتوريطه أذرعه في توجيه ضربات "خجولة" لإسرائيل، وحذره شخصياً من القيام بذلك، شمَّر عن ساعديه وبادر إلى القيام بدور في توجيه ضرباته لإسرائيل، التي کما نعرف جميعاً سبق أن أعلن أنه يريد إزالتها من الوجود؛

إقرأ أيضاً: رهائن لدى الولي الفقيه

اهتزت إسرائيل من أقصاها إلى أقصاها من جراء الضربتين "الماحقتين" اللتين وجههما النظام الإيراني لمدينتي أربيل وحلب، حتى أن الناس دخلوا الملاجئ من جراء ذلك، خصوصاً أنَّ الحرس الثوري بادر للإعلان عن مسؤوليته في توجيه الضربتين، ولسان حاله يقول "أوفيت وکفيت"!

الحقيقة التي صارت معروفة للعالم أجمع، أنَّ النظام الإيراني يتجنب، إلى أبعد حد، المواجهة مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة، لکنه يوعز دائماً لوکلائه في المنطقة القيام بذلك، مع ملاحظة أنه يسارع للتأکيد على أنَّ ما يدور قرار خاص بوکيله الفلاني أو العلاني، أما هو فبريء من ذلك براءته من إثارة الفتن والحروب وتصدير التطرف والإرهاب إلى المنطقة والعالم.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

الهجومان اللذان نفذهما النظام الإيراني ضد مدينتي أربيل وحلب، حدثا من أجل تحقيق هدفين: الأول، تبرير فشله الأمني داخلياً من جراء ما جرى في کرمان، والثاني الإيحاء أنه يقوم بدوره کأحد أعضاء ما يسمى محور المقاومة، من أجل أن يضع حداً لما قيل ويقال بشأن تجنبه المواجهة مع إسرائيل، خصوصاً أنه انتقم للأطفال الرضع في غزة بقتل طفل رضيع في أربيل!

من فرط التخبط والتوتر التي يعانيه هذا النظام بفعل تورطه المفضوح بما يجري في المنطقة من عبث واستهتار بالأمن والاستقرار، فإنه، کما يبدو، يريد أن يظهر ثقته واعتداده بنفسه، خصوصاً عندما يقوم بزف البشرى للشعب الإيراني بقيامه بهذين الهجومين "الجبارين"، في وقت يعلم القاصي قبل الداني أنَّ الشعب الإيراني يمقت هذا النظام إلى أبعد حد، ويعمل بکل ما في وسعه من أجل إسقاطه، وقد أكدت الاحتجاجات الأخيرة التي دامت قرابة ستة أشهر على هذه الحقيقة.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

الهجومان الصاروخيان اللذان نفذهما النظام على أربيل وحلب، وبعد الإدانة والشجب الدولي الواسع النطاق لهما إلى حد أجبر حکومة محمد شياع السوداني في العراق على اتخاذ موقف شاجب، فإنَّ النظام الإيراني کما يبدو مسح شيئاً من عرق الخجل عن جبينه، وأعلن أنه قام بالهجومين دفاعاً عن نفسه ضد الإرهاب... وحقاً إنه لأمر مثير للسخرية والتهکم أن يتعرض مرکز وبؤرة الإرهاب في العالم لضربات إرهابية من قبل هاتين المدينتين!