تمثل شبه الجزيرة العربية أصل نشأة العرب وحضارتهم قبيل بعثة الرسول الكريم وظهور الإسلام. فالجزيرة العربية هي موطن العرب، وأرض حضارتهم وتاريخهم وثقافتهم. وتمثل المملكة العربية السعودية، الآن، الجزء الأكبر من الحدود الجغرافية والسياسية لشبه الجزيرة العربية، مما يؤكد أنَّ المملكة هي أصل العرق العربي، وموطن حضارة العرب قبل الإسلام، وقد فضلها الله وكرمها واختارها لتكون موطن الإسلام وموطن خاتم الأنبياء والمرسلين وأرض الحرمين، وبها بيت الله الحرام، ومحضن جسد الرسول الشريف.

عرف العرب قديماً الحضارة في الكثير من الجوانب، مثل اللغة والثقافة والشعر، وسمات الشرف والسؤدد والكرم، والنجدة والمروءة، وقد حبا الله العربي بقوة الحفظ، وسرعة البديهة، والذكاء الفطري، وسرعة الاستدلال والاستنتاج، وقوة الحجة والبيان والفصاحة، والتحمل والشجاعة. وعرفت الجزيرة العربية عبر عصورها الطويلة أنواعاً من الرسالات وأنبياء الله، فكان هود في الأحقاف، وصالح في ثمود، وشعيب في مدين، أي أنها موطن الأنبياء والرسل عبر التاريخ. ثم كان التكريم والتشريف الأعظم للجزيرة العربية، حيث اختارها الله موطن رسالة الإسلام ومهبط الوحي.

وكانت الجزيرة العربية على صلات وثيقة مع جيرانها، فقد كانت مكة أهم المراكز التجارية، واكتسبت مكانة دينية رفيعة عند جميع العرب لوجود بيت الله العتيق بها، واستغل القريشيون صلاتهم التجارية ومكانة مكة فازدهرت حركة التبادل التجاري والثقافي، ونظموا رحلات الشتاء إلى اليمن لشراء السلع، ورحلات الصيف إلى الشام لبيعها، وقد بلغت قافلتهم خمسمائة وألف بعير كما يروى الطبري.

إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟

وماجت التيارات الدينية والثقافية في شبه الجزيرة العربية، فقد انتشرت اليهودية في يثرب، والنصرانية في نجران، وعندما فشلت الفرس والروم في السيطرة السياسية على شبه الجزيرة العربية، جعلت نفوذها في صورة إمارة الحيرة على تخوم الفرس، وإمارة الغساسنة على تخوم الروم، وكان لهاتين الإماراتين أثر كبير في إثراء الحضارة العربية، وشهدت الجزيرة العربية أهم مراكز الحضارة العربية: مكة ويثرب (المدينة المنورة) والطائف.

وتعد مكة أهم مراكز الحضارة في الجزيرة العربية على الإطلاق، وسكنها الإسماعيليون أو العدنانيون كما يسميهم المؤرخون المسلمون، وكذلك قبائل جرهم وخزاعة والعماليق. ومن أسماء مكة: أم القرى، والبلد، والبلد الأمين، ويرجع البعض التسمية مكة إلى أنها تمك الجبارين أي تذهب نخوتهم، ويرجع البعض الآخر سبب التسمية إلى أنها تقع بين جبلين مرتفعين عليها، وهي في هبطة بمنزلة المكوك.

إقرأ أيضاً: شناعة المُندَلق

وبالرغم من وجود "البيوت الحرام" المتعددة في بلاد العرب، مثل "بيت صنعاء" و"بيت الأقيصر" و "بيت نجران" و"بيت ذى الخلصة"، فقد تميز البيت العتيق بمكة بقداسة ومكانة خاصة عند العرب، وأصبحت مكة أهم مركز ديني وتجاري وثقافي لجميع العرب.

المدينة المنورة أو يثرب هي ثاني مدن شبه الجزيرة العربية أهمية بعد مكة، وهي دار هجرة الرسول، وعزة ونصر الإسلام، وعاصمة أول دولة إسلامية، وشرفها الله بميزة لا تتطاول إليها أي مدينة في العالم، وهى أنها تضم جثمان النبي، وقد تميزت المدينة بطيب الهواء، وجودة التربة، وطيبة أهلها، واشتهرت بزراعة النخيل، وكانت من أهم المراكز الزراعية في بلاد العرب، ومحطة تجارية على طريق القوافل التى تحمل الطيوب بين اليمن والشام.

إقرأ أيضاً: وضع العراق وكردستان بعد الانسحاب الأميركي

وكانت المدينة تسمى يثرب قبل هجرة الرسول إليها، وقد ذكرت في الكتابات المعينية والسبئية، مما يشير إلى سكن هذه القبائل فيها، كما أشارت النصوص البابلية إلى يثرب منذ القرن السادس قبل الميلاد، في عهد الملك البابلي نبونيد الذي قام بحملة احتل فيها خيبر وتيماء ويثرب التي جاءت تحت اسم أتريبو. كما وردت يثرب في جغرافية بطليموس وعند المؤرخ الجغرافي اسطفيانوس البيزنطي تحت اسم يثربة، وقد ذكرها القرآن في بعض الآيات باسم المدينة بعد هجرة الرسول إليها.

ومن أسماء المدينة أيضاً في العصر الإسلامي طيبة، طابة، دار الهجرة، العاصمة، القاصمة، المؤمنة، قرية الأنصار، سيدة البلدان، المحبوبة، المقدسة، المباركة، ذات الحرار وأرض الهجرة.

إقرأ أيضاً: العشوائيات الديمقراطية

وتقع الطائف على بعد حوالى 90 كيلومتراً من جنوب شرق مكة على جبل عزوان، وهو أبرد مكان بالحجاز، مما ميزها بجوها الطيب المعتدل في الصيف، وكثرة ثمارها وشجرها، وأكثر ثمارها الأعناب والموز والرمان. وقد عثر علماء الآثار على كتابات مدونة على صخورها وحولها، بعضها باللغة النبطية، وأخرى بالثمودية، وبعضها باللغة العربية، وكذلك كتابات تشبه اليونانية، مما يؤكد تنوع وقدم تاريخها وحضارتها، وقد سكن الطائف قبائل العماليق، وبنو عدوان من قيس بن عيلان، وبنو عامر، ثم قبيلة ثقيف العريقة الشهيرة.

من التاريخ العريق الديني والحضاري لشبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى العصر الحديث، حيث كان بزوغ شمس المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، لتواصل المملكة رحلة الإنجازات على كافة الأصعدة، الدينية، والسياسية والاقتصادية، والعمرانية، والاجتماعية، في دولة عصرية ومحورية في السياسة العالمية بثوابتها التي تدعم الأمن والسلم العالمي، وقوتها الاقتصادية العالمية.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

وتشهد المملكة، الآن، نهضة كبرى في كافة المجالات، بعد الرؤية الطموحة "رؤية 2030"، والتي تنقل المملكة إلى مقدمة الدول المتقدمة في كافة المجالات. ففى السياسة، يتميز قرار المملكة بالاستقلال والسيادة والإخلاص للأرض والشعب والأمة العربية والإسلامية، وكذلك بعلاقاتها الطيبة المتبادلة الاحترام بين كافة الدول، وبثقلها السياسي والاقتصادي. وفي المجال الاقتصادي، ثمة حرص على تنويع مصادر الدخل القومي، وقد بدأ المشروع العملاق نيوم" في 2017، وهو من أضخم المشروعات في العالم، وسيكون من أشهر وأكبر المجمعات السياحية والاقتصادية في العالم على امتداد 260 كيلومتراً شمال المملكة في بين تبوك وضباء.

وفي الثقافة والفن والترفيه تتبوأ المملكة الآن مكانة مميزة في مجالات الثقافة والفن والسياحة والرياضة، حيث أصبحت قبلة الفن والسياحة، واستقطاب نجوم كرة القدم العالميين، حتى أصبح دوري كرة القدم السعودي محط اهتمام وأنظار العالم، وتشهد المملكة نهضة تؤكد الوجه الحضارى العريق، الذى تستمده المملكة من جذور حضارة الماضي، وهذه النهضة أظهرت للعالم الوجه الجميل المعتدل للمملكة، والتي تتمسك بثوابت الإسلام وتقاليده، في صورة جميلة لوجه الاسلام الوسطي المعتدل.