ما إن تمعنت قليلاً اليوم بالشرق الأوسط ومآسيه، لن تجد أزمة مستعصية إن كانت تلك الأزمة بمعزل عن مخططات ما يسمى بالمجتمع الدولي. المثال على ذلك نظام الملالي الحاكم في إيران، الذي يُعد مثالاً صارخاً على تناقضات المجتمع الدولي الداعم لهذا النظام من جهة، ومن جهة أخرى يدين لفظياً انتهاكاته لحقوق الإنسان ويُقيم رسمياً في الوقت ذاته علاقات تجارية ودبلوماسية وحتى أمنية معه، مما يُساهم في دعمه وبقائه واستمرار هيمنته وتدخلاته في شؤون دول المنطقة، وهنا يُشكل هذا التعاون مع النظام الإيراني تناقضاً صارخاً مع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان، الأمر الذي يمكن اعتباره ضوءاً أخضر من قبل المجتمع الدولي يسمح للنظام بارتكاب شتى الممارسات القمعية التي تتيح له البقاء في السلطة وضمان المصالح وتنفيذ ما هو متفقٌ عليه.
حضور وزير خارجية إيران في مجلس حقوق الإنسان
هذا هو مجتمعنا الدولي الذي نعيش في كنفه اليوم، يلاحق الجريمة ويحتضن الجناة ويتجاهل المجني عليهم، وهذا هو ما حدث في جنيف تحت مظلة دولية ترفع من القوانين والشعارات ما تحترمه في موقع وفي موقع آخر، وكأن لا تعنيها تلك القوانين والشعارات، وقد أثار في حينه حضور وزير خارجية ملالي إيران في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في 27 شباط (فبراير) 2024 جدلاً واسعاً، فمن جهة يُدان النظام الإيراني من قبل المجتمع الدولي لانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، بينما يُسمح له من جهة أخرى بالمشاركة كرقم في أعمال أعلى هيئة دولية تُعنى بحماية حقوق الإنسان.
لقد تعارض حضور وزير خارجية الملالي في مجلس حقوق الإنسان مع سجل النظام في مجال حقوق الإنسان، إذ كيف يمكن لمنتهك لحقوق الإنسان أن يكون عضواً ورقماً في هيئة تُعنى بحمايتها؟ والغريب في الأمر هو أن وزير خارجية إيران كان يسعى جاهداً لتحويل الأنظار عن سجل بلاده من خلال التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان في الدول الأخرى، إذ زعم وزير الملالي أن بلاده ملتزمة بحقوق الإنسان وأنها تُحرز تقدما بهذا المجال، وبالرغم من تنديد العديد من الدول والمنظمات الدولية بحضوره في مجلس حقوق الإنسان، وكان القبول بذلك الحضور إهانة لضحايا انتهاكات النظام.
الملالي يشاركون في مؤتمر يدعم السلام والتنمية بالعراق
في تناقض صارخ آخر شكل تواجد نظام الملالي في مؤتمر يدعم السلام والتنمية في العراق تعارضاً كبيراً مع سلوك النظام وادعاءات المجتمع الدولي فمن جهةٍ يعيث النظام فساداً ودماراً في العراق والشرق الأوسط، ومن جهة أخرى يُشارك في مؤتمر يُفترض أنه يهدف إلى تحقيق السلام والتنمية وأي سلام يمكن تحقيقه في تدخلات النظام الإيراني المباشرة في العراق من خلال دعم الميليشيات المسلحة والأحزاب السياسية الموالية له مُهددة الأمن والاستقرار في العراق.
الملالي يبذرون أسلحتهم في المنطقة والعالم ويسعون إلى صناعة القنبلة الذرية
واليوم هو ذاته المجتمع الدولي يكرر خطاياه وتناقضاته، ففي الوقت الذي يُشكل فيه نظام الملالي تهديداً للأمن والسلم الدوليين بسعيه للحصول على القنبلة الذرية أو يقترب الآن من صناعتها، وها قد بذر الملالي الأسلحة ووسائل الدمار في المنطقة والعالم وكلف ذلك الشعب الإيراني أكثر من تريليوني دولار من أجل الحصول على قنبلة نووية مُنتهكين بذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 والعديد من المعاهدات الدولية بما في ذلك معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وبالرغم من كل ذلك، يترأسون اليوم المؤتمر العالمي لنزع السلاح التابع للأمم المتحدة، وهذا هو شر البلية.
التعليقات