رداً على إصرار خامنئي على عدم قبول الهدنة في غزة، أكدت الرئاسة الفلسطينية في البيان الذي أصدرته بتاريخ 3 حزيران (يونيو) 2024، أي قبل يومين، أن الذي يدفع ثمن الحرب الإسرائيلية واستمرارها هو الشعب الفلسطيني، وهو أول المتأثرين بهذه الحرب، التي تستبيح دماءه، والتي أسفرت منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عن ارتقاء أكثر من 36 ألف شهيد، ونحو 83 ألف جريح، وتدمير البنية التحتية من مستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس، وتشريد آلاف المواطنين، وإبادة مئات العائلات.

التناقض والتضارب في المواقف المعلنة لنظام ولایة الفقیه في إیران بشأن دوره ونواياه من وراء إندلاع الحرب الدامية في غزة، ولا سيما بعد أن سعى النظام خلال الفترات الأخيرة إلى التنصل من علاقته بإثارة تلك الحرب وتأکيده على إن تلك الحرب کانت قراراً فلسطينياً بحتاً، فقد عاد الولي الفقيه للنظام ليحسم أمر هذا التناقض والتضارب عن دور نظامه ونواياه بشأنها من خلال الخطاب الذي ألقاه في الثالث من الشهر الجاري بمناسبة الذکرى السنوية لوفاة الخميني، عندما أعلن موقفاً واضح المعالم من دور ونوايا نظامه من القضية الفلسطينية إلى الحد الذي أغاظ الرئاسة الفلسطينية التي بادرت في نفس اليوم للرد على الخطاب منددة به وبلهجة غاضبة.

خامنئي الذي أعاد إلى الاذهان في الخطاب الذي ألقاه على ضريح سلفه الراحل، دور وعلاقة نظامه بالقضية الفلسطينية وسعيه من أجل أن يوحي بأنه الأحرص عليها وأنه الاجدر بالثقة به لحسمها لصالح الشعب الفلسطيني، أکد على الترابط بين حرب السابع من تشرين الأول (أکتوبر) 2023، وبين موقف سلفه بشکل خاص ونظامه بشکل عام، والأهم من ذلك ندد بالمساعي السلمية الجارية من أجل وقف إطلاق النار وإحلال السلام من خلال تسوية سلمية تقوم على أساس قيام الدولة الفلسطينية.

استمرار النزيف الفلسطيني واستمرار الدمار الحاصل في غزة ورفح وغيرها، مطلب شدد عليه خامنئي مشيداً بما أسماه بالصمود الفلسطيني من دون أن يذکر آثار وتبعات استمرار الحرب على الشعب الفلسطيني، ولا سيما عندما سعى وبطريقة وأسلوب يغلب عليهما النوايا الواضحة لمنح نظامه السيادة في الإشراف على توجيه مسار الأحداث والتطورات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية کما يتفق وينسجم مع رؤاه ومصلحته الخاصة.

والملفت للنظر إنه، وفي الوقت الذي أعلن فيه خامنئي عن هکذا موقف صادم، ولا سيما من حيث إعرابه عن سعادته بإثارة حرب غزة ومعارضته لوقف إطلاق النار، فإن الرئاسة الفلسطينية قد أدانت في بيان لها تصريحات خامنئي هذه وأکدت على أنَّ الذي يدفع ثمن الحرب الإسرائيلية واستمرارها هو الشعب الفلسطيني.

إقرأ أيضاً: خامنئي بين سندان الأزمة ومطرقة الثورة

غير أنه من الواضح جداً أن خامنئي وبعد طول مراوغة ولف ودوران والتلاعب بالألفاظ فيما يتعلق بدور ونوايا نظامه من هذه الحرب والدوافع المبيتة من وراء إثارتها، وبشکل خاص عندما قال في خطابه إنَّ "هذه الحرب خلطت الأوراق في لحظة حساسة كان العدو يسعى فيها إلى تطبيق مخطط السيطرة على المنطقة، وكانت ضرورية للمنطقة، وإن على الجميع ألا يعقدوا آمالهم على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة"، فإن زعمه المثير للسخرية والتهکم بسعي إسرائيل للسيطرة المنطقة من وراء وقف إطلاق النار والعمل من أجل تسوية عادلة بإعلان الدولة الفلسطينية، يدحضه ويفنده بشدة کون نظامه هو من عمل ويعمل من أجل السيطرة على المنطقة ويسعى من أجل ذلك ويکفي إن العالم کله يعرف کيف إنه فرض نفوذه وهيمنته على أربعة بلدان في المنطقة.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني ومواجهة الحقيقة

وفي الختام لا یسعني‌ الاّ ان استشهد بما أکده قائد المقاومة الإیرانیة السید مسعود رجوي قبل ثلاث السنوات اي في 21 أيار (مايو) 2021 قائلاً:

"منذ عهد الراحل یاسر عرفات كان خميني وخامنئي أول الخائنين في قضية وقيادة فلسطين ومنظمة التحرير.... خامنئي هو الذي يدعو إلى الحرب وإراقة الدماء وتصدير الظلامية والإرهاب إلی بلدان المنطقة أكثر من أي شخص آخر... کما قال خامنئي في رسالته بعد وقف إطلاق النار في غزة [ عام ۲۰۲۱]: "إنَّ توقيت بدء المعارك وإيقافها هو ما يحدده القادة الجهاديون والسياسيون الفلسطينيون، لكن الإعداد والجهوزية والحضور من موقع القوة في الساحة أمور لا يمكن أن تتوقف"... نعم في‌ إیران عشرات الملايين من العمال والمزارعين والكادحين والمدرسين والمتقاعدين والممرضات مع أسرهم الذين يشكلون الغالبية العظمى من الإيرانيين یحترقون بين خط الفقر الأحمر وخط الموت الأسود... کما أن تصدير الثورة إلى الخارج يتأتى خوفاً من الثورة النارية في داخل إيران. (...) إن إسقاط الدكتاتورية الدينية في إيران، والثورة والبديل الديمقراطي تمثل ورقة حل لمشاكل هذه المنطقة من العالم".