بعد أحداث مرعبة هزت أوصال النظام على المستوى الشعبي وعلى مستوى التصدع القائم داخل أروقة النظام، سعى علي خامنئي، ولي فقيه نظام الملالي في إيران إلى التغطية على مخاوفه والهروب من الإعلان عنها، والحديث عن خسائره متجنباً أيضاً الحديث عن الصراع العفن لأفاعي السلطة؛ لكنَّ سكرات الرعب وليس الخوف ترافقه وتُفقده صوابه من حينٍ لآخر، فيجد في ذكرى موت سيده خميني مؤسس هذا البلاء الواقع على رؤوس المنطقة دولاً وشعوباً، فرصة للهروب بالإستعراض وإعادة اجترار خطاب مفلس لم يتغير على مدار أربعة عقود ونصف... مناسبة تزامنت مع مهلك إبراهيم رئيسي وجاءت بعد رحيله بوقت ليس ببعيد، وكانت فرصة لإعادة ترتيب الأجواء النفسية لعلي خامنئي مواسياً نفسه وجنوده وصعاليكهم في المنطقة، ولا بأس من الخروج عن النص لرفع الروح المعنوية بإعادة قراءة رواية طوفان الأقصى بشكل مغاير لما صرَّح به خامنئي ورهطه في بدء أحداث طوفان حرس خامنئي المسمى بطوفان الأقصى.. ورغم أن عملية إعادة قراءة طوفان الأقصى قد قام بها نظام الملالي مراراً وتكراراً مؤكداً أنه هو من يقف وراءها، إلا أنَّ الغرب جعل إذنيه واحدة من طين والأخرى من عجين، تماشياً مع السيناريو المتفق عليه مع الملالي والصهاينة، فلا تستغربوا إن أقام النظام العالمي حفل تأبين لرئيسي إذ سبق أن استقبله تحت قبة الأمم المتحدة وهو مُدانٌ بجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
يواجه النظام الإيراني اليوم كماً من أكثر الأزمات الداخلية والخارجية تعقيداً في تاريخه، وفي مواجهة هذه الأزمات يبدو أنَّ النظام الإيراني قد اختار سياسة الهروب إلى الأمام، وذلك من خلال التصعيد في خطابه العدائي وتصعيد وتيرة تدخلاته في شؤون الدول المجاورة ودعم الجماعات والميليشيات الموالية له في جانب، وفي جانب آخر مواصلة العبث بعقول البسطاء وإطلاق المزيد من الشعارات الخاوية.
انتفاضات متتالية ومتواصلة في إيران عمد نظام الملالي إلى الهروب منها خشية السقوط بصناعة الجحيم في غزة وخسائر واستعراضات مُتفقٌ عليها مع الغرب مع استمرار التمدد الأفقي في المنطقة، وتغاضي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مجريات الأمور المتعلقة ببرنامج الملالي النووي، ومسرحية الانتخابات المزيفة وحملات الإبادة تحت مسمى الإعدام بعيداً عن الأضواء بسبب إنشغال النظام العالمي بحرب غزة حفاظاً على صنائعه في المنطقة.. ثم مهلك رئيسي ومن معه، ذلك الحدث الذي أداره نظام الملالي بسرية وسياسة أمنية موجَّهة، وخامنئي الذي خسر آماله التي علقها على صنيعته رئيسي ومن بعده بات الموت يرافقه كظله ويحاكيه ويتجول إلى جواره، وفجأة يهرب منه ثم ما يلبث أن يعود إليه؛ فالموت عشقه وصنيعته؛ لكن خامنئي يراوده لا بل يلازمه شعوراً بأنه بموته شخصياً سيفترق قريباً عن الموت ويرحل هو ملتحقاً برئيسي ويبقى الموت من بعده ثقافة ونهجاً لجنده من الأفاعي التي سترثه.
ماذا يريد خامنئي ورهطه من فلسطين وغزة؟
منذ الإستيلاء على الثورة الوطنية في إيران عام 1979، رفع النظام الإيراني بقيادة مؤسسه خميني شعار "تحرير فلسطين" و"دعم ما تُسمى اليوم بالمقاومة " في مواجهة "الاحتلال الإسرائيلي"، وقد استمر هذا الخطاب حتى يومنا هذا تحت حكم الولي الفقيه خامنئي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي الدوافع الحقيقية وراء هذا الخطاب؟ وماذا يريد خامنئي ورهطه من فلسطين، ومن غزة على وجه التحديد؟
يرى العديد من المحللين أنَّ النظام الإيراني يستخدم القضية الفلسطينية كأداة لتحقيق أهدافه السياسية والتوسعية في المنطقة؛ فمنذ قيامه سعى النظام الإيراني إلى تصدير ما أسماه بالثورة ونشر نفوذه في الدول المجاورة، وفي هذا السياق وجد أن القضية الفلسطينية أفضل ورقة مهمة يمكنه التمدد من خلالها، وإظهار إيران كمدافع عن حقوق المسلمين في مواجهة "الكيان الصهيوني"، ولم يؤد دعم نظام ولاية الفقيه الإنتقائي لبعض الفصائل الفلسطينية إلا إلى تعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي حيث تتهم السلطة الفلسطينية نظام الملالي بمحاولة خلق بديل لها من خلال دعم تلك الفصائل، وبالتالي أدى هذا الانقسام إلى إضعاف الموقف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، وإعاقة الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية.
إقرأ أيضاً: الإعدام سبيل النظام لتفادي السقوط
لم يُعد هناك أدنى شك اليوم لدى المهتمين حتى بعض حلفاء نظام الملالي في أن خامنئي ورهطه يستخدمون القضية الفلسطينية وغزة كأدوات لتحقيق أهدافهم السياسية والتوسعية، ومن خلال دعم تلك الأدوات يسعى النظام الإيراني إلى تعزيز نفوذه في المنطقة، وإظهار نفسه بصورة المدافع عن حقوق المسلمين، ونتيجة لذلك ومع ذلك كان تعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي وصولا إلى حالة الاحتراب، وهو ما أدى بالتالي إلى إضعاف الموقف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل.
ختاماً، يبدو أنَّ النظام الإيراني يحاكي الموت من خلال الهروب إلى الأمام، ومحاولة تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج، وتحمل هذه السياسات مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها، ويبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان النظام الإيراني سيتمكن من تجاوز هذه الأزمات، أم أن سياساته العدائية الممنهجة ستكون بمثابة بداية النهاية له.
التعليقات