بالنسبة لأعداء كوردستان، يكفي مجرد وجود شيء يُدعى كوردستان ليكون كابوساً مرعباً يسلبهم حلاوة النوم. عندما يتخيلون أن كوردستان قد تصبح دولة يوماً ما، يدركون أن هذا يعني استقطاع أراض واسعة من بلدانهم، وتقليص أعداد سكانهم، وتخفيض إيراداتهم الاقتصادية. الحقيقة، لو نظرنا إلى الأمور بهذا الشكل، سنجد أن هذا السيناريو سيكون مرعباً لجميع دول الجوار. المشكلة بالنسبة إليهم لا يمكن تصورها بسبب حجمها الهائل، وهم يتحدثون بينهم بسرية عن أن أراضي كوردستان الحقيقية، والتي تمثل موطن الكورد، تقارب مساحة نصف دولة من دول الجوار كل على حدة. بمعنى أن استقطاع نصف دولة من كل من دول الجوار الأربعة سيكون هو حجم دولة كوردستان، وستكون هذه الدولة الكبيرة مهيمنة على جميع دول المنطقة، بعدد سكانها الكبير وثرواتها الوفيرة، وستتمكن من التحكم بمصادر المياه وحركة النقل الجوي والربط الجغرافي والتجاري لجميع دول الجوار. مثل هذا التصور يجعل دول الجوار لكوردستان في موقف صعب، ومع هذه الصورة القاتمة، ستخطط هذه الدول بكل جهد لضمان عدم ظهور كوردستان كدولة مهما كلف الثمن، حتى وإن اضطرت لاستخدام جميع أنواع الإبادة ضد الشعب الكوردي، متجاوزة القوانين والأعراف الإنسانية والإسلامية، لأنها تعتبر المسألة مسألة مصير دول.

من هذا المنطلق، يجب أن يفهم الشعب الكوردي سبب معاداة دول الجوار له وقسوتهم عليه وتدخلهم في شؤون الكورد في كل صغيرة وكبيرة، وافتعال الأزمات والمؤامرات ضد الأمة الكوردية. فحق تقرير المصير، وحقوق الإنسان، ومبادئ الأمم المتحدة، والأخوة الإسلامية، كلها ستسقط أمام هذا الكابوس المرعب الذي يؤرق ليلهم. لا بدَّ من أن تفضي تدخلاتهم في شؤون الكورد وضغوطاتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية المستمرة إلى خلق عدم استقرار ومعاناة وصراعات داخل كوردستان. ستظل هذه المعاناة قائمة وستزداد طالما أنَّ الشعب الكوردي يسعى إلى الاستقلال، ولن يهنأ الشعب الكوردي ولا قياداته بساعة واحدة بأيّ مكسب يحصلان عليه. تأسيس إقليم كوردستان هو مكسب مرعب في حسابات دول الجوار. إنَّهم لا يكرهون الشعب الكوردي من باب إنساني، بل الكراهية تأتي من الخوف من المستقبل. يكرهون أميركا وكل دولة تنادي بحقوق الإنسان وحق الشعوب وحق تقرير المصير، فينعتونها بالإمبريالية والشيطان الأكبر والعدو الأول، لأنَّ اقتراب أميركا وأوروبا من الشرق الأوسط يعني زيادة احتمالية بسط الديمقراطية وبناء حكومات تراعي حقوق الإنسان، وهذا يصب في مصلحة الشعب الكوردي ومستقبل كوردستان، ولا يصب في مصلحة دول جوار كوردستان. يفضلون البقاء في حالة التخلف الحضاري المعادي للغرب، ولا يقتربون من أي شيء يتحدث عن حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، أو بناء دول ديمقراطية حقيقية.

إقرأ أيضاً: الابتلاء مع الجهلاء

خذ مثلاً الدول الخليجية ودول المغرب العربي، فهي قريبة جداً من أوروبا وأميركا سياسياً وتكنولوجياً واقتصادياً، وتتبادل معها الخبرات والتجارة والرياضة والفن، وتحاول هذه الدول تطوير نفسها مستفيدة من خبرات الدول الغربية. فهي تسير في ركب الحضارة الغربية لأنها ليست على تماس مع كوردستان، ولا تتضرر من استقلال كوردستان. هذه الدول، البعيدة عن كوردستان، تتطور بشكل مطرد بفضل الإفادة من العلوم والمعارف والمبادئ التي تتمتع بها الحضارة الغربية. هذه هي أصل الكراهية التي تحاول دول جوار كوردستان زرعها في نفوس الناس ضد أميركا والغرب، بينما الصين وروسيا هما الكفرة الحقيقيون، حيث لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يسمحون للدين بالتنفس، ولكن لا أحد يذكرهم بسوء لأن حقوق الإنسان وحق تقرير المصير ليس لهما من مكان في قاموسيهما، وهذا يتناسب مع عقيدتهم السياسية ضد كوردستان.

إقرأ أيضاً: مغادرة الرعايا الأجانب

من واجب الكورد، قيادات وشعباً، التركيز على ما يفكر به أعداؤهم والعمل على تخفيف الصورة السوداوية القاتمة التي زرعت في مخيلة دول وشعوب المنطقة حول مستقبل كوردستان. من الضروري أن يوحي الكورد لدول الجوار بأن لديهم روابط تاريخية وجغرافية ودينية واجتماعية عميقة، ولن يتخلوا عنها. الاستقلال الذي ينشده الشعب الكوردي هو حق مشروع وثابت وسيتحقق مهما طال الزمن، وعلى جميع شعوب المنطقة أن تتكاتف مع الشعب الكوردي لتسريع هذا الاستقلال، كي تبقى الروابط التاريخية قائمة ويكون المستقبل مشرقاً للجميع. من الخطأ أن تتحول الألفة والمحبة بين شعوب المنطقة إلى عداوات بسبب أوهام غير واقعية، فيبقى الشعب الكوردي ضحية هذه الأوهام. مثل هذا الظلم لا يرضى به أبناء شعوب دول الجوار المظلومين أصلاً. فهل من الإنصاف أن يرضى المظلوم بظلم الآخرين؟