رغم صراع العقارب في قمة السلطة بإيران، تمت الموافقة على جميع الوزراء الذين اقترحهم مسعود بزشكيان من قبل مجلس النظام الإيراني. ومع ذلك، فإن ما حدث خلال مراجعة الوزراء في برلمان النظام يُعد بداية لصراع أعمق داخل عصابة خامنئي. يدّعي بزشكيان أن هذه هي حكومة الوفاق الوطني، لكنه يقصد بذلك وفاق العصابات التي تضم كافة مكونات النظام.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا حدث؟ هل هذه الحكومة، كما يزعمون، حكومة وفاق وطني؟ وهل تمكن التيار الإصلاحي من العودة إلى الحكومة؟ وهل استطاع خامنئي الحفاظ على هيمنته؟

أولاً، دعونا نستعرض مسار الأحداث باختصار.

خلال فترة الانتخابات وما بعدها، أكد بزشكيان باستمرار أن هدفه هو تنفيذ البرامج التي حددها خامنئي. ومنذ البداية، شدد في كل مناسبة على خطة التنمية السابعة للنظام، قائلاً إننا نريد تنفيذها. وبما أن هذا البرنامج أُعد من قبل حكومة إبراهيم رئيسي ووافق عليه خامنئي، فإنه يُعتبر الاسم الرمزي لإطاعة بزشكيان لخامنئي قولًا وعملًا. إذا كنتم تتذكرون، قال بزشكيان إنه "ذاب في ولاية الفقيه". وبما أنَّ خطة التطوير السابعة هي قانون معتمد، فإنَّ بزشكيان مطالب إما باتباع هذه الخطة وتنفيذها أو التمرد عليها. لكنه صرح بأنه لا ينوي القيام بذلك، ولا يستطيع فعله. هذا البرنامج كان جزءًا من نفس الاستراتيجية لتوحيد أركان النظام تحت سيطرة خامنئي.

في 11 أيلول (سبتمبر) 2022، أعلن خامنئي السياسات العامة للنظام في مختلف المجالات في 26 بندًا لصياغة القانون الخاص بتنفيذها. وفي حكومة رئيسي، تم إعداد مشاريع القوانين وإرسالها إلى مجلس النواب. وتمت الموافقة على هذا القانون، المتضمن 120 مادة في 275 صفحة، في جلسة 21 أيار (مايو) 2024 في مجلس الشورى، وأعلنه محمد مخبر في 3 تموز (يوليو) 2024. وهذا يعني أنَّ القانون من صنع خامنئي ورئيسي بالكامل. لذا، بغض النظر عن الكلمات الفارغة والتصريحات غير المجدية، يوضح بزشكيان أنه مجرد منفذ لهذا البرنامج. وهذا يعني أنه سيتبع نهج إبراهيم رئيسي، ولكن دون التماسك النسبي الذي كان موجودًا في حكومة رئيسي، ومع وجود الثغرات التي تجعل النظام أكثر عرضة للخطر من ذي قبل.

المنفذ الرئيسي لهذا القانون هو محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس. لذلك، ربما يكون هذا أحد أسباب معارضة خامنئي لإسحاق جهانغيري وعلي لاريجاني وغيرهما كنائب أول للرئيس، لأن هذين الشخصين قد يشكلا عقبات داخل النظام لأسباب مختلفة، بما في ذلك خصائصهما الفردية والشخصية، والأهم من ذلك عنادهما. بينما عارف، بناءً على تاريخه، لا يدخل في صراع، وهذا يعني أنه مطيع تمامًا للولي الفقيه.

إقرأ أيضاً: خامنئي بين مطرقة توحيد أركان النظام وسندان الإصلاحات

من ناحية أخرى، وبعد الموافقة على بزشكيان، قدم ما يسمى بالتيار الإصلاحي، وخاصة روحاني، دعمه الكامل له، نظرًا لضعف موقف خامنئي بعد انتفاضة 2022 والمقاطعة الواسعة للانتخابات البرلمانية. وكان محمد جواد ظريف المدير الرئيسي لحملة بزشكيان الانتخابية.

وبما أن هذه المجموعة لا ترى لنفسها مستقبلًا إلا في إطار نظام ولاية الفقيه، فقد ظنت أن إضعاف خامنئي يمنحها فرصة لاستعادة حصة من السلطة، لأن كلًا منهم يريد نصيبه من نهب الشعب، ويعتقدون أن النظام على وشك الإطاحة ويريدون الحفاظ عليه بأي ثمن.

بعد الانتخابات، كما رأيتم، أطلقوا مجلسًا لمراجعة الوزراء، مع الوعود التي قطعها ظريف بشأن التجديد واختيار الوزراء على أساس مؤهلاتهم وقدرتهم على دفع الأمور إلى الأمام.

إقرأ أيضاً: هل النظام الإيراني في مستوى التحديات المحدقة به؟

ولكن عندما اكتملت قائمة تشكيلة حكومة بزشكيان وتقدمت للبرلمان، أصيبت عصابة روحاني والإصلاحيين المزيفين بالصدمة. ثم استقال جواد ظريف احتجاجًا، وبعد ذلك، غضب آذري جهرمي. ثم بدأ روحاني نفسه في فضح ما يسمى بإجراءات تشكيل الحكومة، واستمر هذا الصراع حتى جلسات تصويت الثقة. اعترض الإصلاحيون بشدة على هذه التشكيلة، وهاجموا بزشكيان بسبب كذبه وخيانته لوعوده. لكن بعد أيام قليلة، غيروا النهج، وقالوا وكتبوا أن هذه الحقيقة هي ميزان القوى الحالي ويجب الاعتراف بها. أي أنهم، رغم تلقيهم ضربة موجعة من خامنئي، فسروا الحقائق كالمعتاد بالإذلال وإخفاء الحقائق، وأكدوا أن نفس قطعة العظم التي ألقاها خامنئي لهم كانت بمثابة كنز.