رغم أنني لا أرغب في نشر الغسيل المتسخ للسياسيين الكرد أمام العالم على حبال وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة العربية، لا سيما أثناء الأزمات وبعدها وفي الفترات الحرجة، لأنني أعتبر أن في ذلك مساهمة في زعزعة الثقة وزرع بذور الفتنة وإحداث الشروخ وتضييع المكتسبات الكردستانية، لكن عندما تكون قائمة التهديدات طويلة، وأطماع البعض ورغباتهم في الهيمنة واسعة، والمخاطر المحتملة والمحدقة بالديمقراطية كبيرة، وعندما تتزايد مهاترات بعض السياسيين السذج ورهانهم على الانتحار والوقوع في الخطأ العمد، وتزداد الممارسات الخارجة عن السياق السياسي والتاريخي ألمًا، يصبح من الضروري أن أُدلي بدلوي وأقول ما هو مفيد وضروري، وأتحدث عن الأحداث التي طفت على السطح.

ولأنني على يقين بأن هناك أشخاصًا من أنصاف المثقفين والدخلاء على الصحافة سيسعون بمنتهى اللامسؤولية إلى تشويه الصورة الذهنية لبعض الأحزاب والشخصيات الكردستانية في الداخل والخارج، وسيستغلون جل طاقتهم للنيل من سمعة الديمقراطية الكردستانية، فهذا لا يعني عدم وجود كتّاب كرد يساهمون بكتاباتهم الراقية في التأثير على الرأي العام بشكل إيجابي، وبمساهماتهم يثرون الصحافة والإعلام بحقائق ووقائع تدور ضمن دائرة الثوابت الوطنية والقومية.

مداهمة مؤسسة "جاودير" التابعة للسياسي ملا بختيار في مدينة السليمانية، ومصادرة ممتلكاتها والاستيلاء على مبناها، وكذلك مداهمة منزله في خانقين من قبل قوات الكوماندو التابعة لليكيتي، أمران لا يثيران الاستغراب، رغم تطور السلوك السياسي لبعض القوى السياسية الكردستانية. لقد اعتدنا على سماع التهديد والترهيب ورؤية التحول في المواقف، وتشجيع الانشقاقات والانشطارات، واللجوء إلى السلاح لحسم الخلافات، وتصرفات بعض القوات الحزبية التي تهدد حرية التعبير، وتحاول إسكات العقول النيّرة وإشاعة حالة من عدم الاستقرار النفسي والتوتر السياسي.

إقرأ أيضاً: ذكرى تأسيس البارتي وبعض المفارقات

هذه الحادثة، أعني الاستيلاء على مبنى مؤسسة "جاودير" الإعلامية، تشكل نقطة تحول دراماتيكية في عاصمة الثقافة الكردستانية، وقد تؤدي مستقبلاً إلى احتمالات غير متوقعة، وتسهم في تغيير الكثير من الأمور، وتخلق ظروفًا سياسية جديدة تكشف حجم الصراعات المركبة بين صفوف اليكيتي وتفاقمها ووصولها إلى الذروة، خاصة عندما تتحول الإجراءات غير القانونية من تسقيط الخصوم والصراع على الزعامة إلى مراحل حرجة ومستويات خطيرة. وربما تؤدي هذه الصراعات إلى انشطار حزبي جديد بين صفوف اليكيتي، وقد تتطور إلى مواجهات دموية بين أنصار السياسيين الفاعلين في المشهد الآن، الذين حصلوا على مواقعهم بدعم من قوى النفوذ السياسي الشيعي والإيراني، وبين الأسماء اللامعة والرمزيات والزعامات التقليدية التي ترفض الإضعاف والتهميش والإقصاء وتحظى بدعم جماهيري، رغم مرورها بمرحلة من الهبوط المرتبط بحركة التغيير التي سادت بعد وفاة رئيس الحزب السابق.

إقرأ أيضاً: عندما أعاد التاريخ نفسه في شنكال وضواحيها

بشكل عام، يمكن القول إن هذا الاعتداء على مؤسسة "جاودير" في السليمانية، الذي يعتبره الكثيرون انتهاكًا صريحًا للقانون، لن يمر مرور الكرام، خاصةً وأنه قوبل بإدانات رسمية وشعبية واسعة.