بعد تصريحات قادة النظام الإيراني التي تمادت في تشددها بشأن استئناف المفاوضات النووية، والتي سعى النظام من خلالها إلى التأكيد على قوته وثباته تجاه العقوبات الثقيلة المفروضة عليه بسبب عدم امتثاله للمطالب الدولية فيما يتعلق ببرنامجه النووي، خرج علي خامنئي بتصريح مخالف لتلك التصريحات عندما أعطى الضوء الأخضر لحكومة مسعود بزشكيان بفتح باب التفاوض مرة أخرى.

فتح باب التفاوض أمام حكومة بزشكيان من قبل خامنئي جاء بعد أن قال في مقطع بثه تلفزيون النظام: "لا ينبغي أن نعلق آمالنا على العدو. بالنسبة إلى خططنا، يجب ألا ننتظر موافقة الأعداء. ليس من قبيل التناقض الحوار مع نفس العدو في بعض المواضع، لا يوجد عائق". والملفت للنظر هنا أنَّ خامنئي، ومن خلال تصريحه هذا، يوحي وكأنه يمنّ بفضلٍ وإحسان على المجتمع الدولي، وكأن نظامه ليس بحاجة ماسة وملحة لذلك. وهو الأمر الذي يناقض الحقيقة والواقع جملة وتفصيلًا، ويؤكد مرة أخرى ميل خامنئي للمناورة والتمويه والخداع.

إقرأ أيضاً: ضرورة تغيير السياسة الدولية تجاه النظام الايراني

الأوضاع الاقتصادية السيئة جدًا للنظام الإيراني، والتي تعد واحدة من الأسباب المهمة وراء ازدياد الرفض والغضب الشعبي ضده، بلغت درجة لم يعد بوسع النظام أن يخفيها. النظام، وليس المجتمع الدولي، هو من يحتاج إلى المفاوضات النووية بشكل ملح من أجل رفع العقوبات الدولية التي يعاني منها كثيرًا.

فتح خامنئي الباب أمام حكومة بزشكيان للعودة إلى طاولة المفاوضات يأتي في وقت أصبح فيه أحد أقطاب عملية التفاوض التي أفضت إلى الاتفاق النووي عام 2015، وهو عباس عراقجي، وزيرًا للخارجية. كما أن فتح هذا الباب يأتي في وقت تشهد فيه إيران احتجاجات شعبية متزايدة من مختلف الفئات الاجتماعية، ويتزامن أيضًا مع تزايد نشاطات وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق. هذا إضافة إلى أن النظام الإيراني يواجه حاليًا مأزقًا حادًا فيما يخص تدخلاته في المنطقة وإثارته للحروب والأزمات.

إقرأ أيضاً: مذبحة السجناء السياسيين في إيران إبادة جماعية

النظام الإيراني، طوال أكثر من أربعة عقود، اعتمد بشكل واضح على المراهنة على العامل الخارجي لمواجهة ضغط العامل الداخلي. وحكومة بزشكيان هي امتداد لحكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، وكأنها تسعى لإنجاز ما عجزت عنه الحكومة السابقة لأسباب مختلفة. ولأن حكومة رئيسي واجهت رفضًا شعبيًا قويًا تجسد في انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، التي استمرت أشهراً عدَّة، ولأنَّ النظام في عهد رئيسي وصل إلى حافة الهاوية، فإن خامنئي، من خلال دميته بزشكيان، يسعى لتغيير المسار قليلًا وتخفيف الضغط الداخلي بالعودة إلى طاولة المفاوضات. كما حاول النظام خداع المجتمع الدولي مرة أخرى بالزعم بأن بزشكيان إصلاحي، وهو كذب مفضوح، بهدف نيل بعض الثقة والاعتبار في المفاوضات.

عودة النظام الإيراني إلى طاولة المفاوضات ليست عن حسن نية أبدًا. فقد أثبت هذا النظام، على مدار فترات التفاوض مع المجتمع الدولي، أنه مراوغ ومخادع من الطراز الأول، حيث يسعى دائمًا للحصول على مكاسب مع الحفاظ على برنامجه النووي كما هو واستمرار نشاطاته السرية.