باتت عقارب ساعة القرن الأفريقي تتحرك حسب توقيت العاصمة الصومالية مقديشو، وذلك بعد أن أصبحت محور الأحداث مؤخراً جراء التحرك العسكري المصري التركي تجاه الصومال، بعد التقارب بين مصر وتركيا اللتين شكلتا محوراً جديداً في المنطقة بعد تلاقي مصالح القاهرة وأنقرة في أكثر من ملف، وفي مقدمتها معضلات القرن الأفريقي، ونجاح مصر وتركيا في تقاسم الأدوار والمصالح الاقتصادية في ليبيا، وحلحلة ملف ترسيم الحدود البحرية بشرق المتوسط، وكذلك الملف السوري، ومن قبلهما التطبيع التركي الخليجي (الإمارات والسعودية). وكل ذلك جاء بعد أن استطاعت المصالح الاقتصادية التغلب على المشاكل السياسية بين البلدين، وبعد أن فرضت العربدة الإسرائيلية التقارب بين أكبر قوتين إسلاميتين.

ومع تواجد عسكري لكلا البلدين في الصومال وبالتنسيق بينهما، أصبح واضحاً للجميع أن التحرك المصري لم يأتِ فقط لمواجهة أي مخاطر محتملة من الملء الخامس لسد النهضة، بل أيضاً لمواجهة دمى إسرائيل في أفريقيا، وفي مقدمتها رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، الذي جعل من بلاده "إسرائيل القارة السمراء".

فكما زرع المستعمر الغربي الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي ليعزل ما بين الساعد والذراع (الشام ومصر)، باتت إثيوبيا دولة مارقة لا دور لها سوى تهديد أمن وسلامة أفريقيا. فهي تهدد أمن مصر والسودان المائي، وتصدر الإرهاب إلى الصومال، وتعمل على زعزعة أمن إريتريا وجيبوتي. وإذا كانت إسرائيل تسعى لاحتلال ما هو بعد فلسطين وتصفية أي قوة عسكرية في المنطقة، فإنَّ إثيوبيا تسعى كذلك لأن تكون القوة الوحيدة في شرق أفريقيا، وكاتب أجندتهما واحد.

إقرأ أيضاً: مخاوف في لبنان من تكرار سيناريو حرب تموز 2006‎

وإذا استمر تواجد القوات الإثيوبية في الصومال إلى ما بعد نهاية مدتها التابعة لحفظ السلام والمقررة في نهاية العام الجاري، فسيعني ذلك نشوب حرب لن تكون أطرافها الصومال والاحتلال الإثيوبي فقط. وحينها سيكون القرن الأفريقي أشد دموية من الشام، ولمَ لا، والأطراف التي صنعت الفوضى في الشام 2011 هي نفسها متورطة فيما يدور بالقرن الأفريقي.

لذلك، عند التمعن في الخريطة، نرى أنه لم تعد هناك "إسرائيل" واحدة في المنطقة، وأنَّ التحرك المصري في أفريقيا جاء قبل الخطوة الأخيرة لخنقها تماماً. وإن كان الحضور المصري بداية التاريخ في بلاد بنط (الصومال) للنفوذ، فهو اليوم حضور للوجود.