الزوبعة التي أثارها وزير الداخلية الليبي، في حكومة عبد الحميد الدبيبة، ما زالت حديث الشارع الليبي حتى الآن.

لا أعرف إلى أيّ حد يمكن أن تتداخل السلطات في عالمنا العربي، هذا العالم المصاب بكل شيء إلا التخصص وترك الخبز لخبازه!

دستورياً، لا يحق لوزير مهما علت رتبته أن يسن القوانين ويفرض التشريعات، فهذه من اختصاص البرلمانات والمجالس التشريعية. الوزير في أحسن حالاته سلطة تنفيذية لا أكثر. لقد أحدث الوزير عماد الطرابلسي بلا شك زوبعة في فنجان.

أنا هنا، لا أناقش قيمة القرار الأخلاقية من عدمها، فالشعب الليبي شعب مسلم محافظ بطبعه، وهنا تأتي المفارقة! فما الفائدة من إقحام وزير الداخلية في سن تشريعات جديدة؟ وهي في نهاية المطاف تحصيل حاصل، وليست ضمن سلطته التنفيذية على أية حال.

أيضاً، بدا القرار وكأنه يحمل طابعاً دكتاتورياً إقصائياً، فمن لا يعجبه القرار، فبإمكانه ترك بلده والهجرة إلى أوروبا، هكذا وبكل بساطة!

لقد خاض الليبيون مخاضاً عسيراً، وتجاوزوا مرحلة دقيقة من نضالهم الوطني من أجل الحرية، وما زال أمامهم الكثير للعمل عليه. تصريح السيد عماد الطرابلسي في هذا التوقيت الحساس لا يصب في مصلحة الوحدة الوطنية على أيّ حال.

لقد ثار الليبيون ضد حكم معمر القذافي، الذي استمر أكثر من أربعة عقود اختزل فيها العقيد الملهم، قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، كل الدولة وكل التاريخ وكل الأمة في شخصه العظيم.

هو ليبيا وليبيا هي القذافي. فلا صوت يعلو فوق صوت الأخ العقيد، من قرارات الدولة المصيرية إلى الشوارع الفرعية في الأحياء الخلفية!

فما سمي باللجان الشعبية، وإن بدت مستقلة ظاهرياً، إلا أنها قذافية حتى النخاع داخلياً، فكل شيء في حضرة ملك ملوك أفريقيا يجب أن يكون قذافياً، ولا مكان لأي شيء آخر غير القذافية!

وفي لحظة تاريخية حرجة، ثار كل شيء في ليبيا ضد القذافي وضد كل هذا الجنون والهذيان.

كان عيدي أمين دكتاتور أوغندا يطلق على نفسه "آخر ملوك اسكتلندا"! ويجب أن يخاطب رسمياً بهذا اللقب!

إقرأ أيضاً: حرب قتل القيادات

آخر ملوك اسكتلندا هذا، انفجرت في عهده الحروب الأهلية، والفوضى السياسية، وشهد عصره عنفاً مستمراً، وفي خطوة أخرى غير مفهومة، طرد التجار الهنود والأجانب الذين كانوا عصب الحياة الاقتصادية في البلاد. فانهارت العملة الوطنية، ومعها كل اقتصاد الدولة.

والحسنة الوحيدة التي قام بها "آخر ملوك اسكتلندا"، أنه هرب وترك أوغندا وشأنها.

في تونس سنة 1969، بعث الحبيب بورقيبة، عبر السفير الليبي، برسالة إلى الملك الليبي السابق إدريس السنوسي يحذره فيها من احتمال حدوث انقلاب وشيك. فكان انقلاب الأول من أيلول (سبتمبر) 1969، الذي جاء بالعقيد القذافي إلى السلطة.

إقرأ أيضاً: لماذا فاز ترامب؟

وفي نفس الوقت، أوصى الملك بأن يعمل على حل ما سماها: الفراغات الثلاثة في بلاده، وهي الفراغ الديموغرافي، والفراغ السياسي، والفراغ الثقافي. وحين جاء القذافي، وبدلاً من أن يعمل على حل هذه المشكلات، حول هذه الفراغات الثلاثة إلى الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية الشعبية العظمى!

وكما قال الفيلسوف السياسي الفرنسي فولتير عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة: لا هي إمبراطورية، ولا رومانية، ولا مقدسة. فكذلك ليبيا القذافي لم تكن يوماً اشتراكية، ولا جماهيرية، ولا عظمى.