للإنسان الأصيل سمات تميزه عن غيره، وصفات يعرف بها، والأصالة هنا نعني بها شخصية المرء وتربيته وأخلاقه ومبادئه؛ وبغض النظر عن لونه أو عرقه أو لغته أو ديانته؛ فالناس متساوون مثل أسنان المشط من وجهة النظر الدينية والإنسانية. لكن الواقع يثبت الاختلاف والتباين في الطبائع والسمات الشخصية، حيث تجد الإنسان الأصيل صادقًا، شجاعًا، واعيًا، محترمًا؛ بينما تجد المزيف والمتلون نرجسيًا، مصلحيًا، كذابًا، مراوغًا، ماكرًا، منعدم المروءة والحمية، وفاقد الغيرة والشرف.
لذا تجدهم يسارعون إلى ظلم الناس وإذلال الأتباع والكذب عليهم وتهميشهم والتغرير بهم بمجرد استلامهم المناصب وتبوئهم الكراسي والمسؤوليات العامة. ولعل تصرفاتهم هذه ناشئة من عقد النقص والدونية أو بسبب المكر والخبث واللؤم الدفين.
فالشخص الأصيل أصيل في كل تصرفاته وتعاملاته مع الغير، إذ تجد أقواله متوافقة مع أفعاله، وشعاراته تنسجم مع حركاته، وخريطة فعالياته ونشاطاته تنبئك عن عقائده وأفكاره. وهذه السمات تجدها في الأغلبية من العراقيين الأصلاء وأتباع الإمام علي، إلا أنَّ الجسم السليم يفرز فضلات؛ كذلك الطائفة الشيعية الكريمة أفرزت البعض من الدونية والمنبطحين والمتلونين والمنافقين والكذابين والدجالين والمنكوسين.
هؤلاء الشراذم يتسمون بالنفاق والخداع والكذب. ويعد الكذب والتلون بالنسبة إليهم أمرًا عاديًا، والتقلب وتغيير المواقف والعلاقات - كمن تنتقل من حضن إلى آخر - سلوكًا طبيعيًا، بينما كانوا بالأمس القريب يعيرون أغلبية الساسة من بقية الطوائف والقوميات العراقية والعربية وغيرها لاتصافهم بهذه الصفة الذميمة.
لقد كان الرجل الشيعي عمومًا والعراقي الأصيل خصوصًا مثالًا للتحدي والمبدئية والنزاهة والصراحة والطيبة ومعارضة الظالمين ومقارعة المجرمين والإرهابيين، وبغض الفاسدين والجلادين. فكان إذا خاصم لم يسب أو يشتم أو يعير، وإذا عارض وقاتل لا يمارس الرذيلة والخديعة بحجة الغاية تبرر الوسيلة، ولم يلحق هاربًا أو يجهز على جريح أو يضرب امرأة أو صبيًا، وإذا عاهد لم يخلف وعده، وإذا حدث لم يكذب وإن كلفه الصدق حياته. ومهما تعرض لشتى الضغوط والظروف لا يخرج عن طور أصالته العريقة.
ولعل هذه السمات هي التي أدت إلى الخسائر الفادحة بالأرواح والممتلكات التي أصيبوا بها جراء معارضتهم للحكومات الظالمة والحركات الإجرامية والقوى الدولية، والتي أخرجتهم من اللعبة السياسية ولعقود طويلة جدًا.
إلا أنَّ العراق كسائر البلدان العالمية، والطائفة الشيعية الكريمة لا تختلف عن بقية الطوائف والمذاهب والفرق الدينية؛ فالإنسان هو الإنسان في كل مكان وزمان، ولكل قاعدة شواذ. فكل الشعوب فيها الصالح والطالح، والصادق والكاذب، والمبدئي والمتلون، إذ لا يوجد مجتمع خالٍ من العيوب، أو جماعة أو طائفة تخلو من الفاسدين والمنافقين والكاذبين والظالمين.
وقد ابتُلي العراق والطائفة الشيعية الكريمة ببعض الشخصيات التي تغير جلودها كالحرباء بين الفينة والأخرى، وتبدل مواقفها بين ليلة وضحاها، وتُبطل ادعاءاتها بنفسها. فما يتفاخرون به بالأمس يتبرؤون منه اليوم، وما يؤيدونه في السابق ينقلبون عليه في الوقت الحاضر. وهكذا عندما تتابعهم وتلاحظ تحركاتهم؛ ستجد بونًا شاسعًا بين أقوالهم وأفعالهم وبين شعاراتهم وادعاءاتهم وبين سلوكهم البعيد كل البعد عن الأصالة وما يدعون.
إقرأ أيضاً: نواب في البرلمان العراقي ولكنهم يمثلون الأجانب؟!
وأغلب الذين حكموا العراق أو من الذين تصدروا المشهد الديني والاجتماعي منذ العام 1920 وحتى الآن؛ إما مزيفون أو خليط بين الأصالة والزيف. فهؤلاء المرضى يلبسون أقنعة تتغير مع كل موقف، أو قناعًا واحدًا يناسب كل المواقف. فالشخصيات المزيفة تتغير بتغير المناصب والأحوال، وتدور مع الكرسي حيثما دار. أما الشخصيات الأصيلة فهي التي تبقى ثابتة على المبادئ والقيم، ولا تغيرها مجريات الأحداث ولا تغيرها المناصب والامتيازات.
ومهما حاول الشخص المزيف إخفاء حقيقته؛ كشف أمره ولو بعد حين. فالزمن والوقت كفيل بتسليط الأضواء على تناقضاته وتقلباته وتلونه، وابتعاده عما يدعي الإيمان به، وما يرفعه من شعارات.
وهؤلاء يتعاملون مع جماهير الأغلبية وعوام الطائفة بفوقية واستخفاف ولا مبالاة ونرجسية. وهم لا يأبهون لشؤونهم ومشاكلهم ولا يهتمون بمشاعرهم وأحلامهم، إنما يحرصون على أنفسهم وعوائلهم وامتيازاتهم الخاصة فحسب، ويستحوذون على كل شيء باسم الوطن والطائفة، ويعرضون أتباعهم للخطر والفقر والضرر.
التعليقات